بدون فهلوة.. ملاذا انهارت الليرة التركية؟

طــوال سـاعـات جلسة تــداول العمالت أمـس األول «الجمعة» وضـع األتراك أيديهم على قلوبهم وهم يشاهدون االنهيار الدراماتيكي لقيمة عملتهم التي فقدت نحو %19 من قيمتها أمـام الــدوالر، وهو انهيار حقيقي يأتي بعد سلسلة انخفاضات بدأت عام ،م2013 لكن وبالرغم من ذلك لم يكن أحد ليصدق أن تتبخر هذه النسبة من قيمة الليرة في جلسة واحدة فقط. تزامن االنهيار مع خطاب للرئيس التركي اتهم فيه قـوى لم يسمها بالعمل على ضرب تركيا اقتصاديًا، وهذا بالطبع كالم ساذج ال يمكن أن ينطلي على أي اقتصادي صغير، لكنه يدغدغ مشاعر «األردوغانيني» بشكل مؤقت إذا وضعناه في سياق الدعاية السياسية التي ظهرت للعلن بعد وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا، فهي سياسة قائمة على استجرار التاريخ وادعــاء املظلومية والتعرض للضغوطات كنتيجة الستراتيجية الحزب التي يصفها باإلسالمية (حسب زعمه). املشكلة التي ال يدركها الرئيس التركي وأتباعه أو ال يريدون االعتراف بها هي أن التمترس خلف الشعارات اإلسالموية واملاضوية ال يمكن أن يرفع سعر عملة أو يخفضها وليس له عالقة باالقتصاد مطلقًا.. كما أن التخبطات السياسية يمكن أن تكون عامال مساعدًا في انهيار قيمة الليرة لكنها ليست األساس، ولكي نفهم األمر بشكل اقتصادي صحيح يمكن تلخيص أسباب هذا االنهيار بشكل مبسط فيما يلي: - ارتفاع حجم الدين التركي العام: حتى نهاية عــام 2017 وصــل حجم الـديـن التركي الـعـام إلــى نحو نصف ترليون دوالر بحسب بيانات وزارة الخزانة التركية، وهــذا رقـم مرعب تسبب في انخفاض التصنيف االئتماني للدولة التركية قبل أشهر إذ خفضت وكالة ستاندرد آند بورز بتاريخ 11 مايو 2018 تصنيف ديون تركيا السيادية إلى مرتبة مثيرة للقلق ضمن فئة الديون العالية املخاطر هي -BB وجاء ذلك نتيجة ملا وصفته باملخاوف املتنامية املتعلقة بتدهور آفاق التضخم واالنخفاض الطويل األمد في سعر صرف العملة التركية وتقلبه، بجانب تزايد الصعوبات في القطاع الخاص الذي يقترض من الخارج. - هروب رؤوس األموال من تركيا وعجز امليزان التجاري: حمالت االعـتـقـاالت واسـعـة النطاق ألعــداد مهولة مـن املواطنني األتـــراك واألجـانـب بتهمة االرتــبــاط بحركة غـولـن بجانب مـغـامـرات حكومة أردوغــــان فـي سـوريـا واألزمـــة القطرية، تسببت في مـأزق ثقة وإشكال اقتصادي كبير للحكومة التركية، إذ تم تسييل الكثير من األصول وخروج عدد كبير من االستثمارات من األراضي التركية ما أخل بامليزان التجاري العام وتسبب في عجز الحساب الجاري للدولة التركية نظرًا الرتفاع الحواالت الصادرة عن الواردة، مع ضعف التدفقات النقدية السريعة نتيجة انخفاض الطلب على السياحة التركية بشكل ملحوظ، وقد بلغ العجز التجاري في الحساب الجاري التركي منتصف عام 2018 نحو 58 مليار دوالر مقارنة بـ 36 مليار دوالر خالل الفترة املماثلة من عام .م2017 ما سبق يوضح بشكل مختصر سبب انهيار قيمة العملة التركية ودخول األتراك في نفق اقتصادي مظلم، ولعل ما يزيد عمق هذه األزمـة، وينطبق عليه املثل العربي «شر البلية ما يضحك»، هو ما أشارت إليه صحيفة فايننشال تايمز أمس األول ساخرة من الرئيس أردوغــان الـذي بـدال من اتخاذ إجــراءات عملية ملعالجة األزمــة، ذهب يتضرع بالدعاء في خطبة طويلة إليجاد حل لها.