Okaz

هدر الطعام.. قضية اقتصادية اجتماعية

- د. عبداهلل صادق دحالن * abdullahda­hlan@yahoo.com * كاتب اقتصادي سعودي

1.3 مـلـيـار طــن مــن املــــواد الــغــذائ­ــيــة الصالحة لألكل ـ تعادل ثلث اإلنـتـاج العاملي ـ من الغذاء يهدرها العالم بشكل سنوي، وهي كمية تكفي إلطعام 3 مليارات شخص وذلك حسب تقرير منظمة (الفاو) منظمة األغذية والزراعة التابعة لألمم املتحدة. وتبلغ قيمة هذه الكمية املهدرة من الغذاء حوالى 680 مليار دوالر، ويبلغ إجمالي قيمة الغذاء املهدر من الدول النامية واململكة منهم قرابة 310 مليارات دوالر. والحقيقة صـدمـت عندما اطلعت على تقرير يشير إلــى أن اململكة تبوأت املركز األول في العالم في إهدار الغذاء، حيث أوضـــح الـتـقـريـ­ر أن %30 مــن األغــذيــ­ة املنتجة يـتـم إهدارها، وتصل قيمتها حوالى 49 مليار ريال سنويا، ويبلغ نصيب الفرد السعودي من الطعام املهدر سنويا حوالى 250 كيلو جراما، وهذا يتجاوز ضعف املعدل العاملي والذي يبلغ 115 كيلو جراما للفرد، ويصل إجمالي الهدر في الغذاء في اململكة حسب التقرير حوالى 8,3 مليون طن من الغذاء كل عام. والحقيقة إنها أرقـام وإحصائيات صادمة ألي باحث وألي مخطط ألن الــهــدر فــي الــغــذاء يعني هـــدرا لـالقـتـصـ­اد العام والخاص، وعدم االستفادة املثلى من الفاقد من الغذاء إلطعام الــفــقــ­راء يعني هـــدرا فــي الــعــالق­ــات االجـتـمـا­عـيـة واإلنسانية يسهم في زيادة الفقر والجوع، ويرى العديد من االقتصادين­ي أن وقف هدر 8,3 مليون طن من الغذاء يعني توفير 49 مليار ريـــال ملـيـزانـي­ـة األفــــرا­د واألســـر ومـؤسـسـات وشــركــات القطاع الخاص. ويـعـتـبـر الــشــرق األوســــط مــحــدود اإلنــتــا­ج الحـتـيـاج­ـاتـه من الــغــذاء ويستطيع تـوفـيـر 50 % مــن غــذائــه لشعبه والباقي يستورده. وحسب اإلحصائيات فإن الشرق األوســط والدول العربية في شمال أفريقيا يتوقع أن يصل استيرادها في عام م2020 حوالى 92,4 مليار دوالر. ويــؤســفـ­ـنــي أن أطــلــع عــلــى نـتـيـجـة دراســــة أعــــدت فــي فبراير م2018 بعنوان "البحوث املتعلقة بـإهـدار الـغـذاء في العالم العربي"، حيث أفـادت أن حجم الطعام املهدر في حفل زفاف متوسط في إحـدى املـدن املهمة في السعودية يكفي إلطعام 250 جائعا، وفي دراسـة أخرى يقدر حجم الغذاء املهدر في املستشفيات بـ %32 من إجمالي الطعام املقدم للمرضى. والحقيقة أصبحت قضية إهـــدار الطعام فـي بـالدنـا قضية تحتاج إلى خطة وطنية متكاملة تبدأ من نشر الوعي والثقافة في املجتمع للتخلي عن بعض الـعـادات والتقاليد املوروثة التي ترتبط بها بعض القبائل وبعض األســر امليسورة في إكرام ضيوفهم خوفا من العيب والنقد ومن النقص. وكذلك نشر ثقافة االقتصاد املنزلي واألسري بتحديد الكميات عند تحضير الطعام وأثرها على ميزانية الفرد واألسرة. وحتى تأتي نتائج تثقيف املجتمع ينبغي علينا مضاعفة الــجــهــ­ود املـــبـــ­ذولـــة حــالــيــ­ا فـــي تــجــمــي­ــع الــفــاقـ­ـد مـــن الغذاء واالسـتـفـ­ادة منه لـغـذاء فئة أخــرى مـن املجتمع، وقــد يعتقد البعض أن سبب ارتفاع نسب الفاقد من الغذاء هو ألن شعبنا هو األكثر غنى وميسور الحال، وهي معلومة خاطئة، فهناك دول غنية وصناعية متقدمة ولكن نسبة الفاقد من الغذاء فيها جـدا متدنية مثل فرنسا، التي تعتبر على قائمة دول العالم األقــل هــدرا للغذاء، حيث وصلت نسبة إهــدار الغذاء فيها حــوالــى %1,8 مــن إجـمـالـي إنتاجها مــن الــغــذاء، وهي تــخــطــط ألن تــصــل إلــــى نــصــف هــــذه الــنــســ­بــة فـــي السنوات القادمة. وعلى طريق فرنسا سـارت إيطاليا لتخفيض كمية الطعام املهدر، وفي جميع دول أوروبا هناك خطط جبارة في إعادة االسـتـفـا­دة مـن الطعام املـهـدر لفئة أخــرى مـن السكان، وهذا يوفر قيمة الغذاء الذي تقوم به بعض الجمعيات الخيرية. إن قضية الطعام املهدر أصبحت قضية عاملية وهي قضية اقـتـصـادي­ـة واجـتـمـاع­ـيـة، ونــحــن فــي دول الـخـلـيـج ولألسف الكبير على قائمة الــدول املـهـدرة للغذاء، وأجــزم أن اململكة الــعــربـ­ـيــة الـــســـع­ـــوديـــة قـــد قــطــعــت شـــوطـــا كــبــيــر­ا فـــي مجال االستفادة من لحوم األضاحي في أيام الحج والتي تتجاوز املليون ونصف املليون أضحية للحجاج واملواطنني وذلك من خالل مشروع البنك اإلسالمي الـذي حول األضاحي من غذاء مهدر ومؤثر سلبي على البيئة إلى غذاء أساسي للفقراء في جميع دول العالم اإلسالمي من خالل تجميد األضاحي وإعادة توزيعها. وهناك جمعيات عديدة في اململكة أنشئت خصيصا إلعادة االستفادة من الغذاء املهدر وتوزيعه لألسر الفقيرة وهي جهود كبيرة يشكر القائمون عليها وإن شاء الله لهم األجر الكبير. إال أن هــنــاك أضــعــاف الـــغـــذ­اء املــعــاد اســتــخــ­دامــه تــهــدر وال يستفاد مـنـه، وعليه فإنني أقــتــرح أن تتبنى وزارة البيئة واملياه والزراعة خطة وطنية ملنع الهدر في الغذاء، تشاركها في ذلك وزارات التعليم واإلعالم والتجارة والشؤون البلدية، لــلــمــس­ــاهــمــة فـــي تــخــفــي­ــض الــفــاقـ­ـد مـــن الـــغـــذ­اء واالستفادة القصوى منه.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia