األجزاء املضطربة في املنطقة: النتائج / األسباب
مـــن املـــؤســـف، أن نــضــطــر ألن نــكــرر (بـــهـــدف التذكير والــتــنــبــيــه، لــيــس إال) ذكـــــر حــقــيــقــة واضــــحــــة، وهي: كـــون هـــذه املــنــطــقــة اآلن، وبــســبــب الــعــوامــل الداخلية والخارجية العتيدة، أكثر مناطق العالم سخونة واضطرابا، وعدم اسـتـقـرار... إذ تنفرد حاليا، ودون أرجــاء العالم األخــرى، بخصائص وسمات تجعلها األكثر اضطرابا وقالقل في عالم اليوم. إنها تعيش على صفيح ساخن منذ عقود. وال بد أن نخرج بهذا االستنتاج املزعج، خاصة عندما نقارن الوضع العام في املنطقة باألوضاع السياسية في العالم النامي، في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. ويعتقد البعض أن أبرز أسباب ما تعاني منه معظم أنحاء املنطقة مــن اضـــطـــراب وعــــدم اســتــقــرار وصـــراعـــات، يــعــود لــوجــود التحالف االستعماري – الصهيوني، الذي يعمل جاهدا على استغالل أوضاع املنطقة وتناقضاتها من أجل أن يتحكم أكثر في مقاليد األمور فيها، وغالبا عبر «وكــالء» من نفس املنطقة. وعلى أي حـال، بـدون فهم كل من هذه القوى، وفهم طبيعة العالقات فيما بينها، وفيما بينها وبني غيرها (وهذا ما توفره النظريات ذات العالقة بهذه األحداث) ال يمكن اكتمال فهم واستيعاب حقيقة ما يجري باملنطقة – بصفة عامة – وما يسود فيها من أوضاع، اجتماعية وسياسية وأمنية واقتصادية، غير سارة في غالبيتها. هـذه املنطقة هي أكثر مناطق عالم اليوم معاناة من هـذا االبتالء... املتمثل في: املطامع االستعمارية وسياسات ما يعرف بـ «االستعمار الجديد»، وتبعات قيام ونمو وتوسع وعربدة إسرائيل. إضافة إلى مــعــانــاة بـعـض بـلـدانـهـا مــن ظــاهــرة «الـــرؤســـاء الـــضـــرورة» القادمني عبر انقالبات عسكرية مشبوهة، يبذل الغرب املتنفذ قصارى جهده لدعمها، والتستر على عيوبها وجرائمها. إن فهم هذه القوى، وفهم وإدراك أهــدافــهــا ووسـائـلـهـا، وطبيعة عـالقـاتـهـا، يسهل فـهـم معظم «عجائب» و«غرائب» هذا الشرق األوسط. وإن لم تكن تلك مؤامرة ضد أغلب شعوب املنطقة، فماذا يمكن أن نسميها؟!
*** إن «اإلشــكــالــيــة» األســاســيــة الـكـبـرى ملعظم مــا هــذه املنطقة فـيـه هي إشكالية سياسية – ثقافية حـادة. وعند تحليل هذه اإلشكالية، وفك طالسمها، وتحديد عناصرها، نجد أنها عبارة عن «أسباب» رئيسة... يمكن تقسيمها إلى قسمني رئيسيني، لتصبح كالتالي: أ - املسبب الذاتي (الداخلي): ويتجسد في األسباب األربعة املتفرعة األهم التالية: 1 - تـــواجـــد حــكــومــات قــلــة (عــســكــريــة، وديــنــيــة بــخــاصــة) مستبدة وإقصائية وفاسدة، في كثير من دول املنطقة. 2 - سيادة تفسيرات مختلفة ومتناقضة للدين اإلسـالمـي الحنيف. األمر الذى أدى لنشوء تيارات «إسالموية» مصلحية، ونمو «املذهبية» بكل مساوئها املعروفة. 3 - الطائفية: وجود تعدد طائفي في كل مجتمع، غالبا ما يخضع عنوة للطائفة األقــوى، وتغمط حقوق الطوائف األقــل قــوة. وذلــك لعدم وجود إطار قانوني مدني يعطي لكل ذي حق حقه. األمر الذي يكاد يلغي مفهوم «الدولة املدنية» التي يتعايش فيها الجميع. هذه الطائفية جعلت كثيرا من «دول» املنطقة عبارة عن تجمعات عشائرية (عنصرية)... 4 - وجــــود جــمــاعــات مـتـطـرفـة ومــتــشــددة، بـعـضـهـا مــســلــح، ويتبع ميليشيا... يمارس اإلرهاب، باسم الدين، ويتجاوز الدولة. (وهذا ناجم من املسببني 1 .)2و كـمـا يـجـب هـنـا عـــدم التقليل مــن الـتـأثـيـر الــهــائــل لــألســبــاب الذاتية املـتـداخـلـة «األخــــرى» الـتـي لها وقــع سلبي ضخم على واقــع املنطقة التعس، وفي مقدمتها: - ارتفاع نسبة الجهل بني أغلب سكان املنطقة. ويتضمن ذلـك غياب الوعي والفكر املنطقي في أكثر األطــروحــات التي تحاول تشخيص الداء، ومن ثم وصف الدواء... (العقلية غير السوية). املنطقة. تحكم بعض األحــقــاد (الـتـاريـخـيـة) بـني كثير مـن فـئـات مجتمعات
*** ب - املــســبــب الـــخـــارجـــي (األجـــنـــبـــي): ويــتــجــلــى أســـاســـًا فــــي: حركة «االسـتـعـمـار الـجـديـد» ومــا يحيكه مـن دسـائـس وخـطـط مــدمــرة، ضد األمة العربية، بالتحالف مع الحركة الصهيونية. إضافة إلى سياسات «مـد ودعــم النفوذ» التي تمارسها القوى الدولية العظمى والكبرى باملنطقة. ويـتـحـمـل «املــســبــب الـــذاتـــي» الـنـسـبـة األوفــــر واملــســؤولــيــة األكــبــر عن الوضع املـزري الذي فيه املنطقة... فمن يهن يسهل الهوان عليه. ومع ذلـــك، فــإن «املـسـبـب الــخــارجــي» ال يجب التقليل مــن تـأثـيـره السلبي، ودوره الهدام. فاملسببان مترابطان، ومتداخالن، أشد التداخل. وهذه العالقة الوثيقة تؤكد بأنه: لوال «املسبب الذاتي» ما وجد واستشرى «املــســبــب الـــخـــارجـــي»... ولـــوال «املــســبــب الــخــارجــي» مــا كـــان «املسبب الذاتي» مستتبًا ومتمكنًا بالقوة التي هو عليها اآلن. كما يالحظ أن هذه «املسببات» هي، في ذات الوقت، «نتائج» لألوضاع السلبية السائدة. فاملسبب ينعكس على األرض في هيئة نتيجة، تقوي املسبب وتؤكد تأثيره، وهكذا في دوامة ال تنتهى إال بالكسر. وإن سلمنا بصحة هــذا التشخيص ملــرض املنطقة الـسـيـاسـي، فإن التعامل مع هذه األسباب وما ينتج عنها، والقضاء على تأثيراتها السلبية، يمسي هو «العالج» الناجع، الذي يكفل األخذ به شفاء معظم هذه املنطقة مما هي فيه من داء. ونكمل هذا الحديث الحزين في املقال القادم بإذن الله.