Okaz

هل تعلم السعوديون من كارثة 2006

-

تشير تقارير اقتصادية صدرت في اململكة أخيرًا إلى أن موجودات السعوديني داخــل الـبـنـوك تصل إلــى تريليوني ريــال تقريبا، معظم تلك املــوجــو­دات هي ألفراد، فما الذي دفع السعوديني إلبقاء مدخراتهم داخل البنوك، واإلحجام عن الشراء وتدوير املال داخل شرايني االقتصاد املحلي حتى انخفضت عملياتهم إلى أرقام قياسية، كما تقول ذلك حالة الركود التي أصابت قطاعات مختلفة. لنعد قليا لألعوام بني 2003 - ،2005 في تلك الفترة كان السعوديون يعيشون واحدة من أهم طفرات سوق األسهم التي مروا بها، حتى وصل املؤشر ألرقام قياسية ربما لن يعود إليها إال بعد سنوات طويلة. تلك التجربة املالية غيرت من سلوكيات الكثير، فنمت املظاهر وراجــت فكرة الـثـراء السريع، ومـالـوا نحو املخاطرة الشديدة فـي االستثمار بحثا عـن الـربـح السهل والتحول نحو الغنى بدون مجهود. بالطبع ليس معيبا وليس خطأ أن يبحث األفراد عن تحسني مداخيلهم والتحول نحو الغنى، لكن سنن الحياة منذ بدء الخليقة وحتى اليوم تؤكد أنه ال يمكن للجميع أن يصبحوا أثرياء، بل إن القلة والناجني من املخاطر هم من سيكونون أغنياء على حساب األكثرية، اندفع الكثير وراء بريق سوق األسهم، إضافة لشركات ومؤسسات توظيف األموال، وحتى األفراد الذين أعلنوا عن أنفسهم كمديرين لاستثمارت، وثق فيهم السعوديون وأعطوهم أموالهم عن طيب خاطر. كانوا يظنون أن املخاطرة العالية يمكن أن تحقق لهم العوائد الكبيرة من خال األمنيات فقط، وتناسوا أن املخاطر تعني في الوقت نفسه التخلي عن املدخرات واألصول دون رجعة، ونتائجها في حال التدهور دائما ما تكون كارثية، وهذا ما حصل، لقد كان الدرس قاسيا جدا. الذين تخلوا عن أصولهم من بيوت وعقارات وجدوا أنفسهم يمتلكون أسهما ال تساوي %10 من قيمة شرائها، ومن اقترضوا كانت البنوك تاحقهم وتبيع محافظهم لتحصيل أموالها، وأضحى الكثير منهم ما بني مطارد لدائنيه أو مكسور يبحث عن سداد املستحق عليه أو نادم على ما اقترفت يداه. الـيـوم وبعد 13 عاما مـن تلك الضربات القاسية، يبدو أن السعوديني تعلموا الــدرس جيدا، فادخروا األموال، ويترددون في إخراجها أو صرفها دون حاجة. في رأيي أن ما حصل كان انحسار الرغبة في الشراء، خاصة ما ال حاجة للسعوديني به، واالكتفاء باملوجود واالستمرار في استخدامه، والتخلي عن سلوكيات التبذير والشراء دون اضطرار، اإلبقاء على السلع املعمرة أطـول فترة ممكنة كالسيارات واألجـهـزة الكهربائية واألثــاث، وما حدث في سوق السيارات مثال واقعي حني انخفضت مبيعاتها بني %30 إلى ،%50 انخفاض الرغبة في السفر لخارج اململكة بحثا عن السياحة والترفيه، خاصة مع وجـود برامج ترفيه محلية بديلة قدمتها الهيئات املسؤولة. إنها مجموعة من التغيرات االستهاكية الجذرية التي تشير إلى التحول نحو اإلنفاق الذكي والنوعي، والبحث عن األسعار املنخفضة وتأجيل الشراء حتى يجد املشتري السلعة املناسبة له ومليزانيته. في املقابل أعتقد أن التجار والوكاء تباطأوا في فهم ما حصل للسوق، وظنوا أنها حالة مؤقتة ستزول خـال أشهر، وأجــزم أن الكثير منهم لم يتعلم الــدرس، ولـذا عليهم مراجعة سلوكيات البيع والعرض ونوعية ما يقدمونه للمستهلك الذي أصبح أقل اندفاعا وأكثر تحفظا. الواجب على الشركات ومزودي الخدمات االستفادة من الدرس القاسي، وعدم انتظار العاجات الساقطة بالبرشوت من الحكومة كما كان سائدا لعقود مضت، فتلك النوعية من السياسات االقتصادية انتهت ولن تعود ألسباب هيكلية وإستراتيجي­ة. ال شك أن إعادة املستهلكني إلى الشراء من جديد هي الحل األمثل لدفع عجلة االقتصاد، ولكن من خال ردم الجفوة بني أصحاب األعمال واملشترين، وإعادة الثقة وتخفيض هوامش الربح بدال من املبالغات الخيالية، وبيع منتجات وخدمات وسلع تناسب الطبقة املتوسطة واألقل دخا، فهي أصبحت من يتحكم في السوق بعد سنوات من تحكم التجار بهم.

 ??  ?? محمد الساعد * @massaaed m.assaaed@gmail.com
محمد الساعد * @massaaed m.assaaed@gmail.com

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia