Okaz

أردوغان واحلسابات اخلاطئة

- محمد الدليمي * al.dulaimi@hotmail.com * كاتب عراقي

ربـمـا لــم يكن تــراجــع وانـهـيـار سعر الـلـيـرة التركية هـــو املــظــهـ­ـر الــوحــيـ­ـد لــتــراجـ­ـع مــوقــع أردوغـــــ­ـــان في املشهد السياسي الـتـركـي، إنـمـا تـعـود الــصــورة إلى االنــقــا­ب العسكري الـــذي نظمته املـؤسـسـة العسكرية التركية ذات املكانة الحيوية فـي تـاريـخ تركيا السياسي الـحـديـث، حيث عبرت تلك املحاولة االنقابية قبل ثـاث سنوات عن انتفاض تلك النواة الصلبة ومعها شرائح عديدة على هيمنة السيد رجب طيب أردوغان وســيــاسـ­ـتــه الــســاعـ­ـيــة إلـــى الــتــفــ­رد والـهـيـمـ­نـة واالســـتـ­ــحـــواذ وهوسه بالسلطة إلـى حد سعيه الــدؤوب إلـى وضـع كل مفاتيح السلطة في جيبه وهو ما تحقق له أخيرًا في تعديل الدستور التركي ليصبح نظام الحكم رئاسيًا بصاحيات مطلقة. واملتابع للشأن التركي يستطيع أن يستدل بسهولة على أن حجم االعتقاالت الخيالي بعيد املحاولة االنقابية بساعات؛ يشي بشيء مكنون في نفس أردوغـان بضرورة تقييد جميع القوى والعناصر والهيئات التي يمكن لها أن تلعب دورًا في عرقلة مشروعه في التفرد والسيطرة، وإال فمن غير املعقول أن يصل عدد املعتقلني إلى أكثر من 70 ألفا، من ضمنهم قــادة وضباط كبار وصغار وعـرفـاء بل طلبة كليات عسكرية وشرطة وقضاة ومحامون وموظفون في الضرائب واإلدارات املالية واملعاهد الدينية وأساتذة جامعات وسواهم الكثير، وكلنا سمعنا عـن مـحـاوالت انقابية عـديـدة فـي منطقتنا والعالم تنتهي ببضعة عشرات أو مئات من العسكريني وينتهي األمــر، إال فـي عهد أردوغــــا­ن فـأنـت متهم طـاملـا ال تبيع والءك لـحـزب العدالة والتنمية، كما أن اهتزاز وتاشي تحالفات تركيا الدولية واألطلسية واهـتـزاز صـورة الحكم في الساحة الدولية والقوى الكبرى املؤثرة وقفزات أردوغان الحرة بني الشرق تارة والغرب تارة أخرى جعل منه السياسي غير املوثوق وذا النزعات الدكتاتوري­ة وشهيته املنفتحة للسلطة تـحـت عــبــاءة الــديــمـ­ـوقــراطــ­يــة أسـهـمـت فــي اهــتــزاز مكانته وأبرزته بصورة الحاكم املرتبك واملتهور. تركيا في عهدها الجديد ال هي دولــة مدنية علمانية وال دولــة أو قـل نظامًا إسـامـيـًا واضــح املـعـالـم، ومــن يــزور أو زار تركيا يتيقن من صحة هذا الكام على ما يشاهد من مظاهر الفسوق واالنحال وشواطئ العراة وانتشار الحانات والبارات في كل مكان، ويأتي من يقول لك كمثل رجل الدين املصري واملتجنس قطريا الشيخ يوسف القرضاوي إن الله ومائكته والرسل وأولياء الله والصالحني كلهم يقاتلون إلى جانب أردوغان؟ ولست أدري هل أن اندفاعة منظر اإلخوان الروحي القرضاوي ومعه جـوقـة مـن اإلخـــوان املسلمني الـذيـن نجحوا فـي تضليل جــزء كبير من الـرأي العام بأن أردوغــان هو املنقذ واملخلص للعالم اإلسامي الـسـنـي، وحـــزب الــعــدال­ــة والتنمية الـحـاكـم فــي تـركـيـا هــو النموذج اإلسامي املعتدل الذي يصلح أن يكون قدوة ألنظمة الحكم الناجحة في األمة اإلسامية، وسوقوا بعض النجاحات التي حققها أردوغان في إحداث بعض مظاهر النمو وارتفاع دخل الفرد وإطاق السياحة على نطاقها األوسع ما هو إال معجزة لن تتكرر، وقالوا لنا إن تركيا تحولت في عهده إلى واحد من أقوى اقتصادات العالم الستة عشر حتى جاء خبر احتجازه القس األمريكي وتغريدة من ترمب ليتبخر كل ضباب أردوغان وسحره. نـحـن ال ننكر ذلــك وصـحـيـح أن الــرجــل حـقـق إصــاحــات واضحة، وشجع االستثمار األجنبي، لكن هـذا الـرجـل تقمص دور السلطان العثماني، وأوهمه منظر عهده داوود أوغلو وزير خارجيته السابق بـأن نظرية صفر مشاكل والعمق اإلستراتيج­ي لتركيا ستحقق له استعادة الزعامة للعالم العربي واإلسـامـي بــروح عثمانية لكنها بلباس إخـوانـي، وهـب اإلخــوان في كل زوايــا العالم ليناصروا هذا السلطان إلى حد أنهم صوروا أخطاء ه إبداع ونجاحات، فتوغل هذا السلطان العثماني في منطقتنا مستغا دعايات وارتباطات اإلخوان به للتسلل تحت جنح الدخان فيما يسمى بالربيع العربي؛ فتجد أن أردوغان توغل في ليبيا وتونس وأراد أن يصادر إرادة شعب مصر الـحـرة عندما كبت كبوتها فـي عصر «اإلخــــوا­ن» ومـرشـدهـا بديع، ثم توجه إلى الجار سورية وأطلق إليها عشرات اآلالف من أنصار القاعدة و«داعــش» لتكون تركيا لهم بوابة العبور، ومـا حصل في أماكن أخرى أنهك حكم أردوغان ولم يعد نظامه السياسي قادرًا على تحمل كل هذه األكاف السياسية باهظة الثمن، فتعثر في برنامجه؛ ألن املنطقة ال تريد «اإلخــوان» وال تحمل ذكريات طيبة عن إسافه أبناء عثمان فقد أذاقوا الوطن العربي كل صنوف الذل واالستعباد والــتــخـ­ـلــف ونــصــبــ­وا ألحـــــرا­ر الـــعـــر­ب املــشــان­ــق فـــي بـــيـــرو­ت والشام واسطنبول، ولـم يكن هـذا التلميذ النجيب للطموحات العثمانية إال عنصرًا إخوانيًا صرفًا ليس له اآلن حلفاء بعد سلسلة إخطائه وسياساته الكارثية في املنطقة، ولم يجد له كما هم «اإلخــوان» إال حليفهم نظام الولي الفقيه في طهران وكما قال الشاعر (إن املصائب يجمعن املصابينا). فانعقد حلف التآخي بني التومان اإليراني والليرة التركية في أروع صور االنهيار والسقوط الذي يخفي وراءه فكرة واحدة هي أخطاء النظام السياسي التي ال تغتفر، واليوم اختفى من جنب أردوعان منظره أوغلو صاحب نظرية صفر مشاكل والعمق الحيوي ليجد نفسه رجب طيب با حلفاء أقوياء سوى الحكم الخميني ويتخبط بعشرات املشاكل.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia