Okaz

امسك إرهابي «الهوية اإلرهابية»

- أريج الجهني * areejaljah­ani@gmail.com * كاتبة سعودية

يقول املفكر جويس عن كتاب جـاك دريــدا «وكيفما كان الحال، فإن هذا الكتاب كان عبارة عن مجازفة خطيرة»، كـذلـك هــذا املــقــال، فقد كتب دريـــدا عـــددا مــن الكتب التي عالجت مفهوم اإلرهاب، لكن لعل ما يهمنا هنا هو كتابه «روح اإلرهــــا­ب»، وهــو عــبــارة عــن أربــعــة مــقــاالت تــم جمعها قبل وفاته، وهو من أبرز منظري النظرية التفكيكية املتخصصة في تفكيك الخطاب اإلعـامـي، بجانب الفيلسوف األملـانـي يوغرن هابرماس صاحب فلسفة الـهـويـة التواصلية وأحـــد أهــم الفاسفة فــي دراســـة اإلرهــــا­ب مــن منظار فلسفي. أخيرا من املهم ذكر اسم البروفيسور السويدي بير بوهن صاحب كتاب «الهوية املعيارية» ومعالجة اإلرهاب برؤية فلسفية متعمقة. مــا ســبــق مــراجــع أســاســيـ­ـة مــؤســف أنــنــا ال نـمـتـلـك حــتــى اآلن ترجمات ألغلبها، ولعل القاسم املشترك بني هؤالء هو تحليل الخطاب اإلعامي ومعالجة تأثيرات الهوية وخطورة تشكلها. امتاك األدوات الفلسفية هو سر تفوق األبحاث الغربية حتى اللحظة واالنطاق من النظريات لفهم ومعالجة الــواقــع. إن مـا يجمع هــؤالء الفاسفة هـو مـبـدأ اإلدانة األخــاقــ­يــة لــإلرهــا­ب بـكـل صــــوره، ولــكــن الــجــرأة العلمية الــتــي تفردوا بها هي نقد الخطاب الغربي الــذي سعى سعيا حثيثا لربط اإلرهاب باملجتمع العربي واإلسامي وحتى السعودي وهذا هو محور حديثي، فالسؤال اآلن ملاذا تم ربط هذا الخطاب في زمن ما بالهوية املسلمة رغم وجود عدد كبير من الضحايا الذين وقعوا ملجرمني غير مسلمني، هنا أقول فتش عن «الهوية». إن محاولة إسقاط وتنميط صورة السعوديني عـاملـيـا تـحـتـاج وقــفــة صــارمــة بــل الـتـقـدم بـعـريـضـة لــأمــم املـتـحـدة تلك املنظمة نفسها التي قالت إنها تمتلك إستراتيجية ملكافحة اإلرهاب تقوم على أربعة أركان وهي معالجة الظروف املؤدية لإلرهاب، محاولة منع اإلرهـاب والتطرف، املساهمة في بناء القدرات والكفاءات، وأخيرا الحرص على احترام حقوق اإلنسان وسيادة القانون، كل هذا رائع لكن ملــاذا ال نـرى هـذه املنظمات تتحرك في الــدول الفقيرة وتنشط بعضها فقط للتدخل بالشأن السعودي الداخلي. مقابلة أم الهالك أسامة بن الدن في صحيفة «الـغـارديـ­ان» البريطانية األسبوع املاضي حملت تلميحات غير مباشرة إلى أن مجتمع الجامعة كان له دور في التأثير على ولدها في االنضمام للجماعات اإلرهابية، لم أر أي رد صحفي أو أكاديمي لآلن يناقش على األقل هذه النقطة، جامعة امللك عبدالعزيز منارة العلم والتحضر لم تتخذ أي رد، ما الصورة التي سيقرأها العالم عن جامعاتنا؟ ملاذا ال نتخذ ردا مهنيا، وفي هذا يقول دريدا «إن الجامعة هي املصدر األهم للتعرف على حقيقة السياسة، حيث ال يمكن لعلم السياسة أن يبني مفهومه عن الدولة إال بإثبات موضعه ومكانته في املعرفة، إن فكرة نظرية التفكيك تظهر بثاثة أشكال إما أن تكون إستراتيجية سياسية، وإمـا فكرية أو طريقة في الـقـراءة مثل هـذه النظرية تتطلب من الجامعات السعودية تعيني وحــدات وأقسام حديثة متخصصة في «الهوية والتفكيك والتحليل للخطابات واألفكار والرؤى». إن املعالجة املجتمعية للقضايا الفكرية الحرجة إذا لم تخرج من رحم العلم فهي معالجات مشوهة وفقاعية، سمعة اململكة العربية السعودية عقيدة وطنية نتحمل شــرف حملها جميعا، كذلك املعالجة الداخلية تتطلب قـراءة زمنية متأنية لنفهم أين نحن ومن نحن وإلـى أين نحن ذاهـبـون. وضـع رؤيــة 2030 هـو حجر األســاس، وهــذه ليست مبالغات صحفية بــل هــذه هــي الحقيقة. إن اســتــاب الـهـويـة هــو املـحـك األخطر الذي يواجه أي مجتمع بحيث يصبح من السهل تطويع أفــراده، فبدال مـن خـدمـة الــداخــل يتم توظيفهم خارجيا بأشكال متباينة الخطورة واإلجرام، الهوية اإلرهابية إذا تشكلت يصعب تطويعها الحقا، فاألولى منع تشكلها من األســاس، فـاإلرهـاب إذا أصبح جــزءا من الهوية صار لجماعات عقيدتها تدمير األوطــان بمختلف الشعارات. الــدور اآلن أن تـنـهـض املـنـظـمـ­ات والــجــهـ­ـات املـخـتـلـ­فـة فــي وضـــع إسـتـراتـي­ـجـيـة قابلة للقياس والفحص لصناعة الهوية الوطنية املنشودة. الهوية العاملية خيار قــادم ال محالة، لكن الـقـوة التي تجعل الهوية السعودية األكثر قوة باملستقبل هي القوة الدينية والقيمية والقوة املجتمعية، فما يزال املجتمع السعودي من أكثر املجتمعات تماسكا، ولعل هناك من ينجح فــي صناعة ثقافة وسطية تجعل الجميع تحت مظلة الــوطــن وألجل الوطن.. وهل نحب سواه؟

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia