للذكي الذي ال يريد الندم
عـــبـــر الـــعـــصـــور أجـــــــرى الـــعـــلـــمـــاء والفالسفة واملـــفـــكـــرون أنـــهـــارا مـــن الــحــبــر لــبــحــث ماهية الــحــيــاة الــدنــيــا، ونــتــائــجــهــم يـمـكـن اختزالها بـمـشـهـد واحـــــد؛ ادخــــل ملــحــل ألـــعـــاب تعليمية لألطفال وتمعن بماهية األلــعــاب، وستجدها تـصـويـرا رمــزيــا عــن الــشــيء الحقيقي لتنمية وتــطــويــر وعــــي الــطــفــل عــبــرهــا، وبــاملــثــل هي الحياة الدنيا؛ فالحياة الدنيا ليست مسرحا، وليست ساحة صراع ومعركة وحرب، وليست جنة وال جحيما، إنما هي مدرسة وكل ما فيها من قوانني وأحوال ومادة هي وسائل تعليمية غايتها تنمية وتـطـويـر درجـــة ونـوعـيـة وعي اإلنــســان الــفــكــري الـعـاطـفـي الـقـيـمـي األخالقي الـسـلـوكـي الــروحــي الــجــوهــري؛ ألن غــايــة الله مـــن خــلــق كــائــنــات عــاقــلــة ووضــعــهــا فـــي هذه املــدرســة هــو أن يــكــرســوا ذواتــهــم عـلـى الوعي املعقد األعلى الذي يمكنه أن يعي حقيقة الذات اإللهية حق الوعي. لكن الـــذي يحصل للناس لــه مـثـال مــا حصل ألهل صحراء نازكا جنوب البيرو حيث توجد رســوم هائلة معقدة مـحـفـورة على أرضيتها القاحلة يمتد الواحد منها ملسافة تصل ملئات األمتار، وأهل تلك املنطقة عاشوا عليها ملئات السنني دون أن ينتبهوا ألن ما تبدو بالنسبة لهم فقط مجرد خطوط ممتدة على مد النظر هي بالواقع تشكل رسومات متكاملة ال يمكن تــمــيــيــزهــا عــلــى األرض، وملــــا قــــام األوربيون بالتحليق بــالــطــائــرة فـوقـهـا ظــهــرت األشكال الكاملة التي تشكلها تلك الخطوط، وهذا مثال بليغ لحال البشر فـي الـديـن والـدنـيـا؛ فبسبب كــونــهــم مـسـتـغـرقـني بـتـفـاصـيـل األحــــــوال على األرض ولـــم يــطــوروا وعــيــا جــوهــريــا محايدا يمكنه أن ينظر لذات صاحبه ويقيمها ويحكم عليها عن بعد كما يفعل تجاه ذات أي شخص غـــريـــب، فــهــم ال يــمــكــنــهــم اســتــيــعــاب الصورة األكبر الكاملة لذواتهم وال لحياتهم وال للواقع ولـلـعـالـم وال فــي أي مــجــال، واإلنـــســـان ليطور ويــكــرس وعــيــا فــكــريــا نـفـسـيـا عـاطـفـيـا قيميا أخالقيا سلوكيا روحيا جوهريا معقدا أو ما يعرف بأدبيات الحكمة بالجوهر فعليه تغذية ذاتــــه بــالــعــلــوم الـتـجـريـبـيـة واملـــعـــارف املعنية بالحكمة وعلم النفس وعلم االجتماع والعلوم الفلسفية واإلدراكية والتنمية الذاتية، ويفتح قنوات "التغذية املرتجعة" مع العالم الخارجي ممثلة بالنقد والنصيحة واالعـتـراض واآلراء واملعلومات املخالفة. ومـــن ذلـــك تــلــك الــتــي تـنـتـقـد وتــخــالــف قوالبه وقناعاته وتوجهاته الخاصة والعامة، وبدون ذلك ليس فقط هو لن ينضج ولن يطور وعيا مـعـمـقـا مـتـكـامـال إنــمــا هــو حــتــى ال يـمـكـنـه أن يـتـأكـد مــن كــون مــا هــو عليه خـطـأ أم صواب، نـافـع أم ضــار، والـلـه يـعـذر فقط مـن سعى إلى الحق والحقيقة بأقصى وسعه لكن عجز عن التوصل إليها، وال يعذر الكسول والالمبالي واملغتر بقناعاته.