Okaz

اجلود ُيفقر واإلقدام قتال

- طارق البوعينين

غالبًا ما يوصف املجانن أو من يصابون بــانــفــ­صــام فـــي الــشــخــ­صــيــة، بـــراحـــ­ة العقل، وأنــهــم فــي رغـــد مـقـارنـة بـغـيـرهـم، ألنــهــم ال واقع لهم يعيشونه أو يتعاركون معه، كذلك هم الهاربون من الواقع الذي يعيشونه، هم أقــرب للمجانن ممن يتمتعون بعقولهم، فـــالـــه­ـــروب مــــن الـــــواق­ـــــع شـــعـــور يـــجـــد معه الــشــخــ­ص الــرغــبـ­ـة فـــي أن يـــكـــون كالريشة تمامًا في مهب الريح، ال حيلة له وال قوة، طلبا للراحة واالستقرار! ومع هذا فاإلنسان الـــــــذ­ي يـــعـــيـ­ــش مـــعـــظـ­ــم حـــيـــات­ـــه فـــــي نطاق الراحة وطلبًا لها فضال عن أنه لن يكتسب الـــخـــب­ـــرات واملـــــه­ـــــارات، فــإنــه لـــن يــجــد طعم الـــراحــ­ـة، فالطمأنينة تــأتــي عـنـد املواجهة واإلقـــــ­ــدام والــتــرق­ــب والــتــنـ­ـوع فـــي معالجة كـل قضية ومسألة بما يوائمها، فالحياة بصعوباتها وأنماطها وتقلباتها ليست كــنــســي­ــج مــتــســق مــصــمــم لــكــل شــخــص بما يالئمه وحسب هــواه، بـل هـي سنن وأقدار وحــكــم وأســـــرا­ر يقضيها الــلــه عــلــى عبادة حــكــمــة مــنــه واخـــتـــ­بـــارا وابـــتـــ­الء لـــهـــم، وإن كانت السالمة فـي بعض األحـيـان فـي عدم املـواجـهـ­ة والــتــرك، إال أن ذلــك ال يعفيك من ظـروف الحياة التي ترغمك على املواجهة، حينها لن يكون خيار الهروب هو الـخـيـار األنــســب، ألنـهـا ظروف تــتــطــل­ــب ردود أفـــعـــا­ل تمامًا مثل السفينة التي تسير في وســــــط الـــبـــح­ـــر وتتالطمها األمــــوا­ج، ولــم تــقــاوم، هـل كان بإمكانها الوصول إلى بغيتها؟ بالتأكيد ال، فاإلنسان هو السفينة وعدم مواجهته لهذه الظروف لن تزيلها أو تنهيها، بـل ستزيدها حتى تقضي عليه، كما أن الهروب ال يكون إال إلى املجهول على عكس اللجوء فإنه يكون ملعلوم ومأمون، وألن الــــــهـ­ـــــارب ال يــــــــد­ري مـــتـــى ستنتهي معاناته بالهروب، فهروبه ال أمد له وال حد لنهايته فهو يفتك باإلنسان في كل لحظة حــتــى يــصــرعــ­ه، بــل إن الـــهـــر­وب قــد يتدرج بــاإلنــس­ــان مــن حـيـث ال يشعر حـتـى يلجئه إلــى الـتـعـاطـ­ي، فـالـذيـن يـتـعـاطـو­ن الخمور أو املـــــخـ­ــــدرات لـــيـــس بــــالـــ­ـضــــرورة للمتعة والــنــشـ­ـوة بــقــدر مـــا هـــو هـــــروب، لــيــس مما يحيط بهم من ظــروف وأشـخـاص فحسب، ولكن ما بداخلهم من صراعات ومنغصات وتناقضات وهواجس، فاملتعاطي بإمكانه الهروب مما يحيط به من كائنات بالتواري عن األنظار ومالزمة الوحدة ولكن أنى له أن يتوارى عما بداخله، وهــم أحـسـن حــاال ال أقــول من املــجــان­ــن، بــل مـمـن يلجأ في نهاية املطاف إلى االنتحار. شـــريـــح­ـــة أخــــــــ­رى مـــــن الناس تلجأ إلى نوع آخر من التعاطي وهو ما يعرف بأحالم اليقظة، فهي نوع من الوسائل التي قد يلجأ لها الهارب مـــن الــــواقـ­ـــع تــخــفــي­ــفــًا عـــن نــفــســه، والسبب أنها غالبًا مـا تكون عـبـارة عـن توليفة من خـيـاالت يعيشها مـع نفسه، يتقمص فيها الهارب أدوار البطولة، وهي بطولة تشعره بالنشوة وتبعده عـن ألــم الــواقــع، لــذا نجد أن صــاحــب املــشــكـ­ـلــة يــتــضــا­ءل لــديــه هول الصدمة تدريجيًا مع الوقت نظرا الختالف معطيات التعامل معها، فحال املريض بعد مضي سـنـوات مـن مـرضـه ليس كحاله في بــدايــة ظــهــوره وعــلــمــ­ه بـــه، نــظــرا الختالف املعطيات التي تعامل بها مع املرض.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia