تغذية احلمام والتلوث البيئي
إطعام الطيور من الصدقات التي يكتب فيها األجر للمسلم، كما حـث عليه ديننا اإلسـالمـي الحنيف في القرآن الكريم والسنة النبوية، وأكدت دراسات علمية أن الحمام موجود على كوكب األرض منذ أكثر من 20 مليون سنة، أي قبل ظهور اإلنسان، واستدل علماء األحافير والعظام ببعض الصخور التي احتوت على آثار تدل على وجودها منذ قديم الزمن، كما عثر أيضًا على رسومات لطيور الحمام في الكثير من املخطوطات املصرية األثرية، التي ترجع ألكثر من 3000 سنة قبل امليالد، إضافة لنحوت ورسوم من الحضارات األوروبـــيـــة واآلســيــويــة الـقـديـمـة، تــؤكــد «ألــفــة» اإلنــســان لهذا الطير، وال يزال الكثير من الحضارات والثقافات تتخذه رمزًا لـ «الحب» و«السالم». مــا دعــانــي أن أكــتــب هـــذه املــقــدمــة، مــا نــشــاهــده فــي كـثـيـر من األرصـفـة وامليادين الخالية في أحياء جـدة من انتشار كبير لــلــحــمــام الــطــائــر، وتـــدافـــع أهـــل الــخــيــر والـــنـــاس فـــي تغذيته بالحبوب واألرز والعدس وفتات الخبر الناشف وتخصيص بــرامــيــل املــــاء احــتــســابــا لــألجــر واملـــثـــوبـــة، وقـــد تــكــون بعض األطعمة بقايا منزلية يريد أصحابها التخلص منها بطريقة صحيحة وعـــدم رمـيـهـا فــي حــاويــات الـنـفـايـات حـفـاظـا على النعمة. أنا لست ضد كل ذلك، ولكن املالحظ أن هذا السلوك أفرز بدوره نوعا من التلوث البيئي في داخل األحياء والشوارع، إذ أصبحت هــذه األرصــفــة ملوثة ببقايا الزيوت التي تنتج عن هـذه األطعمة، إضافة إلـى انتشار الـحـشـرات الـدقـيـقـة الـتـي ال تــرى بـالـعـن، بجانب تــعــرض بــعــض الــحــمــام لــدهــس الــســيــارات أثناء مرورها وطيران الحمام املفاجئ، وال أخفي أنني تـرقـبـت دور األمــانــة وملـســت جـهـودهـم فــي معالجة وتـنـظـيـف هــذه املــواقــع ملـنـع الــتــلــوث، إال أن أهــل الخير يــعــودون مـجـددا لتغذية الحمام فـي نفس املــوقــع، وبالتالي تصبح هـذه اإلشكالية متكررة دون حل فال نحمل «األمانة» املسؤولية، وتبدأ دائرة ومساحة التلوث تتوسع أكثر. مـــن وجــهــة نــظــري أن وعـــي أفـــــراد املــجــتــمــع كــفــيــل بمعالجة هـذه اإلشكالية داخــل األحـيـاء، وإن رغبوا في تغذية الحمام احتسابا لألجر فليكن ذلك في األراضي الخالية، التي تحتوي على تربة حتى تكون مساحة التلوث محصورة في املوقع، ألن ما يحدث اآلن هو انتشار تدريجي ملساحات التلوث داخل األحياء والشوارع التي قد تصبح غدا مع مرور الوقت ظاهرة مزعجة كبيرة ال يمكن السيطرة عليها.