تركيا وإيران وقطر.. ما بعد فشل «الربيع»
كـــل الــكــيــانــات فـــي املــنــطــقــة الــتــي تـشـهـد اليوم أوضاعا غير مستقرة، هي في الغالب تلك التي شاركت ومثلت أضالع املربع األخطر الذي أراد اإلحاطة باملنطقة في أحداث ما سموه بـ (الربيع العربي)، وما يـحـدث لهم هـو بمثابة ارتــــدادات تلك العملية املـريـعـة التي شهدتها املنطقة والــتــي ال تــزال نتائجها املــدمــرة ونيرانها املشتعلة في أكثر من مكان. قطر وإيــران وتركيا، بكل ما يتبع لها من خاليا وتنظيمات ومؤسسات وميليشيات هي اليوم في زاويـة الخسارة لكنها لم تعترف بعد وال تـزال في حالة إنكار وهـروب من تورطها في ذلك املشروع التدميري األسود. كــان الــراعــي األبـــرز الــذي منحهم الــقــوة ليكونوا أعــضــاء في ذلك املشروع، اإلدارة السابقة في البيت األبيض وما تحمله من قيم ونظريات سياسية ال عالقة لها بالواقع وال بقراءة النتائج التي يمكن أن تؤول إليها األمور في املنطقة. مثلت األنـظـمـة فــي كــل مــن الــدوحــة وطــهــران وأنــقــرة الوكالء لتنفيذ وإدارة واستثمار كـل مـا شهدته املنطقة مـن أحداث لـصـالـحـهـم؛ وحــيــث إن لـكـل نــظــام مــن هــذه األنـظـمـة أطماعه التوسعية فقد كانوا أحصنة الرهان إلنفاذ مشروع الثورات، لــكــنــهــا أحــصــنــة مـــا لــبــث أن تــعــثــرت فـــي مــنــتــصــف الطريق وأصـبـحـت فـي دائـــرة االتــهــام، وبـــدأت تحاصرها االرتدادات العنيفة جراء تورطها وفشلها. ملاذا هذه األنظمة الثالثة تحديدا؟ أوال: لــكــل مــنــهــا مــشــروعــاتــه وتــطــلــعــاتــه الــتــوســعــيــة خارج حدوده: • طɝهɝران بأيديولوجيتها املتطرفة التي تجاهر منذ العام 1979 بنشر الــثــورات فــي املنطقة، ورأت فــي الـفـوضـى التي شـهـدتـهـا بـعـض الــعــواصــم فــرصــة سـانـحـة لـهـا لالنقضاض عليها وتنفيذ جانب من مشروعها الثوري املتطرف، واتجهت أيضا إلشعال الفوضى في عواصم غير مضطربة مثل املنامة واتجهت كذلك لتوثيق التعاون مع تنظيم اإلخوان املسلمني بعد انتصاره املؤقت في مصر، وانقضت على (الــثــورة) في اليمن. • تركيا؛ فباإلضافة إلى البعد التوسعي اإلمبراطوري الذي يمثل ذهنية النظام الحاكم هناك، كان يرى في تنظيم اإلخوان املــســلــمــني أبــــرز األدوات الــتــي سـتـمـكـنـه مـــن تـحـقـيـق هدفني مشتركني: إعادة بناء املجد العثماني وتعزيز قوة نظامه في الداخل ومحورية الدور التركي في بناء التنظيم والتحكم به (أظهرت التحوالت الحقا كيف أصبحت تركيا هي املالذ األبرز لقيادات التنظيم بعد أن انهار مشروع الثورات بالكامل). • أما النظام في قطر فلديه الكثير من العقد والتطلعات التي سخر من أجلها كل شيء واستثمرت بقية األطراف وجوده في عمق الجسد الخليجي الذي تمثل دوله أبرز املستهدفني بذلك املشروع، ومثل الداعم األبـرز ماليا وإعالميا، وقام بتأسيس ودعم ميليشيات واسعة باملال والسالح من ليبيا إلى العراق ومصر وغيرها. كان لفوز اإلخوان املسلمني في مصر تأثير قوي على أداء تلك الكيانات الثالثة، بلغت النشوة باالنتصار مستوى أغراها بالعمل في أكثر من عاصمة عربية، لكن تلك النشوة لم تدم طويال، فجاءت ثورة الثالثني من يونيو لتنتزع ذلك النصر وتعيد إلى القاهرة موقعها الحقيقي وتخلصها من املصير القاتم الذي كانت تتجه إليه. مع بداية انتصار ما يعرف بالثورات املـضـادة، اتجهت تلك الكيانات للعب بالورقة التي يمكن معها إقناع العالم بخطورة إخماد الـثـورات األولــى، وهـي ورقــة االرهـــاب. فاتجهوا لدعم وإنشاء الجماعات اإلرهابية والخاليا املتطرفة في مختلف أنحاء املنطقة. مـن املـالحـظ أيضا أن تلك الـبـلـدان الثالثة لـم تستطع العمل بشكل متواز حتى مع إدارة أوباما، لقد أراد كل منهم أن يوجه األحداث لتكون في خدمة تطلعاته، إضافة إلى أن التطورات الـتـي شهدتها الــثــورة الـسـوريـة أوجـــدت تعقيدات كـبـرى في األهداف املشتركة وخاصة بني أنقرة وطهران.. فــشــل املـــشـــروع ولــــم يــكــن أمــامــهــم ســـوى االســتــمــرار فــي دعم الــجــمــاعــات اإلرهــابــيــة، ومــحــاولــة إنــكــار الـــتـــورط فــي كــل ما حدث. فـي كـل ذلــك كـانـت الــريــاض وأبـوظـبـي تــدركــان مـا الــذي يراد للمنطقة، وشهدت املنطقة ظهور مشروعني متقابلني: مشروع الفوضى والتوسع، يقابله مشروع االستقرار واالعتدال وبناء الدولة الوطنية. انتصر املشروع الحضاري املدني وفشلت مشاريع الفوضى وارتدت عليهم موجات واسعة ربما لن تهدأ قريبا.