السعي بني الصفا واملروة

السعي بني الصفا واملروة شعيرة ال بد للحاج أو املعتمر أن يؤديها بنفسه، وال عوض عنها بمال أو صيام أو دم. فالحاج إذا طـاف طــواف الـقـدوم فإنه يمكنه أن يسعى سعي الحج، أما إذا لم يستطع لسبب ما فإنه يذهب إلى عرفة وبعد الوقوف بها عليه العودة إلى املسجد الحرام ليطوف طــواف اإلفـاضـة (أي الـعـودة من وقفة عرفات) وعليه سعي الحج. وقــد قـامـت الـحـكـومـة الـسـعـوديـة عـلـى تـعـاقـب أدوارها بـخـدمـة الـحـجـاج خـيـر قــيــام، ومــن ذلــك تـوسـعـة الحرم املــكــي، ومــن يـشـاهـد صـــورة املـسـعـى قـبـل خمسني سنة ســـــوف يــعــجــب كــيــف كـــــان املــســعــى جــــــزءًا مـــن السوق، والدكاكني كانت حواليه، ثم بنت الحكومة سورًا حاجزًا بينه وبني السوق وحركة البائعني وأصوات املساومات مع املشترين، ثم زادت طابقًا على املسعى في عهد امللك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وقبل عشر سنوات زادت طابقًا ثانيًا ووسعت مجال السعي إلى ما يقارب ضعف مساحته عرضًا. وإذا وصلت إلى الصفا تسمع هدير الحجاج واملعتمرين يــقــرأون: {إن الصفا واملــــروة مــن شعائر الـلـه فمن حج البيت أو اعتمر فـال جناح عليه أن يـطـوف بهما ومن تطوع خيرًا فإن الله شاكر عليم}. واملسعى تكريم ألمنا هاجر عليها السالم التي تقبلت تـــرك زوجــهــا إبــراهــيــم عـلـيـه الــســالم لـهـا ومـعـهـا ابنها الرضيع إسماعيل عليه السالم وذلــك في واد غير ذي رزع وال ماء وال ساكن فيه، وإذا بها وحيدة متوكلة على الله في هذا املكان املوحش وملا نفد ما معها من الزاد واملـــاء ورأت رضيعها يتضور مـن الظمأ مشت عليها الـسـالم إلــى ربــوة الصفا تنظر هـل تــرى أحــدًا يسعفها بـمـاء أو زاد، وهــرولــت تـــارة وسـعـت تـــارة ومـشـت تارة حتى وصلت إلــى ربــوة املــروة وتـطـاولـت وتلفتت ذات اليمني وذات الشمال، وكــررت السعي سبع مــرات حتى سمعت نبأة من صوت فصاحت «مهيم» أي ماذا عندك؟، وإذا بامللك بالقرب من الرضيع إسماعيل قد غرس رجله في األرض فنبع املـاء، فسارعت السيدة هاجر إلى املاء املتدفق وحـجـرتـه، حتى ال يفيض فـي الـــوادي، وهكذا نشأت «بئر زمزم». إن هــذه الـقـصـة رمــز ألهـمـيـة الـسـعـي فــي حــيــاة املسلم، والله هو الرزاق، لكن السماء ال تمطر ذهبًا وال فضة بل البد من الحركة والتعب، وتكرار الحركة وتكرار السعي، واالستمداد من الله الرزاق لتحقيق املطلوب. إن شعيرة السعي تذكير للمسلم بهذه املــرأة العظيمة التي أكرمها الله بأن جعل سعيها رمزًا لشعيرة كبيرة من شعائر حج ماليني املسلمني على مر التاريخ.