Okaz

حاسب على كالمك

-

لم ترتبط الحكمة بشيء قدر ارتباطها بضبط ميزان العقل ومواضع الكلم، وبهما ميز الخالق عز في عاله اإلنسان، مثلما يكمن نقيض الحكمة في انحرفهما عن مواضعهما فيصيب اإلنسان من يصيب، وما أعظم التوجيه الرباني والنبوي بحسن الخلق وطيب الكلم. قـال الحق تبارك وتعالى: «يـا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قوال سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما». وهكذا جعل الله سبحانه ضوابط الحسنات والسيئات إلى جانب الفعل واإلرادة، وجعل عليها رقيبًا «ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد». لـيـس أسـعـد مــن إنــســان يمسك عليه لـسـانـه كـمـا أوصــانــا الحبيب املــصــطـ­ـفــى صــلــى الــلــه عـلـيـه وســـلـــم، وكـــذلـــ­ك مـــا ورد فـــي الحديث الشريف «وهــل يكب الـنـاس على وجوههم إال حصاد ألسنتهم». تقول الحكمة مـن شـب على شــيء شــاب عليه، وهنا مكمن الخطر عندما ينشأ اإلنـسـان على مثالب الكلمة منذ سـن مبكرة بألفاظ معوجة املعنى والداللة في فهمه للحياة، ومفاهيم جانحة لدور اإلنسان وحدود حريته قوال وعمال، ومنها حريته في أن يقول ما يشاء دون سقف وال لجام للسان، وكثيرون يعتقدون ذلك بكل أسف عندما جاء ت صدمة التطور التقني في وسائل التواصل التي أزالت الحدود والضوابط عند البعض بقيمة الكلمة وخطورتها أيضًا. املعرفة فضاء عظيم يشكل الثقافة للفرد واملجتمع، ولكن أي معرفة نرجوها لألجيال منذ سن مبكرة لنضمن تفاعلهم اإليجابي مع األمم والتطور العاملي بمنعتهم في قادم الزمن بما يحفظ الوعي الديني الوسطي وحق الوطن ورفعته باألخالق والتماسك والبناء في عصر مفتوح باتت فيه الكلمة أخطر أسلحته. التربية األسرية وكذا املناهج الدراسية تراعي عبر الكلمة املكتوبة واملنطوقة، التدرج في تشكيل العقل واإلدراك، وفي شرح العقيدة والفقه وفـهـم تعاليم الـديـن الحنيف، وغــرس العلم والجميل من القيم االجتماعية، وغير ذلـك كثير مما يجب أن يشب عليه الفرد حتى يصبح مكلفًا بـه ويطبقه فـي حياته ومسؤولياته كـأب وأم وكــمــواط­ــن عـلـيـه واجـــبـــ­ات تــجــاه املـجـتـمـ­ع بـحـسـن وصــــدق القول والعمل، وهنا تكمن مفاتيح التربية وأساسها الكلمة الطيبة، بل نذكر كيف كان البيع والتجارة بالكلمة الشفهية أو بورقة بسيطة للتذكير بحفظ الحقوق. فـي العالم االفـتـراض­ـي الـيـوم كـل شــيء متاح ومـبـاح عبر دهاليزه العنكبوتية، وال نتحدث هنا عـن اإليـجـابـ­يـات العظيمة واملنافع الالمحدودة من املعرفة والخدمات، إنما عن مساوئ تصل إلى حد الجرائم واالحتيال واالبتزاز والكذب والتضليل ومصائد للعقول وتدمير األخـالق وتزيني املغشوش من السلع بكلمات خادعة. وال نتحدث أيضا عن اإليجابيني ممن ينفعون البشر بالكلمة الطيبة والـفـكـر الـنـيـر، لكن نعني الـحـذر مـن الـوجـه اآلخــر الــذي فيه نافخ الكير والنفوس املعتلة وعديم الضمائر الذين لم يبلغوا رشد العقل ويفتقدون صواب الكلمة، وما يحزن حقًا أن نترك أطفاال ومراهقني دون توعية بقيمة الكلمة، التي هي مفتاح مستقبل األجيال. ما أكثر املفلسني في عصر باتت فيه الكلمة من أخطر أسلحته، وهل نسينا مـا بأيدينا وبــأيــدي أبنائنا مـن أجـهـزة وتقنيات معرفية حديثة هي وعاء ال ينتهي بالكلمات إما من طرف ألسنة البشر أو من عمق عقول راشــدة، وصـون ثقافة الحياة يبدأ بالكلمة الطيبة الصادقة التي تعززالقيم واألخالقيا­ت اإلنسانية في النفس وفي التواصل االجتماعي الواقعي واالفتراضي، وهي عملية متداخلة وتحتاج إلى إرادة مجتمعية تنشر كلمات وقيم الحق والجمال في الحياة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia