ملاذا يكرهون احلج؟
فـــي الــســيــاســة الـحـقـيـقـة الــثــابــتــة الوحيدة هــــي الـــجـــغـــرافـــيـــا بــيــنــمــا تـــتـــبـــدل وتتغير بقية الـعـوامـل حسب املـصـالـح واملتغيرات الجيوسياسية، الجغرافيا دائمًا ما تذكر السياسي وغيره بأنها هي الثابت الذي ال يتبدل مع الزمن وال يتغير، وقد تحمل الجغرافيا تكثيفًا روحيًا أو فلسفيًا إذا تضافرت مـع عـامـل الـزمـن وتـوحـد الــزمــان املتغير واملــكــان الثابت باتجاه بقعة ما على وجه األرض! ولذلك ال شيء يغيظ أعداء السعودية من اقتراب موسم الـحـج إلــى مكة واملـشـاعـر املقدسة ألنــه يذكرهم بحقيقة مــؤملــة بـالـنـسـبـة لـهـم وهـــي أن الــســعــوديــة مـهـمـا حاولوا وتربصوا وصنعوا املكائد ستبقى وتظل هي قلب العالم العربي واإلسالمي ومهوى أفئدة املسلمني في كل بقاع األرض وقـــــارات الــعــالــم، هــكــذا تـشـيـر الـجـغـرافـيـا دائمًا، وهكذا تفصح للذين يتناسون للحظة واحــدة حقائقها الثابتة. هذا املوسم السنوي الذي يمثل الركن الخامس ملا يقارب مـن ملياري مسلم على وجــه األرض، يتجلى فيه دائمًا االقـتـدار السعودي على خدمة ما يقارب 3 ماليني حاج في مساحة 3 كلم مربع يـتـرددون جيئة وذهابًا لتنفيذ مناسكهم وتقدم لهم كافة الخدمات األمنية والغذائية والطبية والبلدية … الخ هو إعجاز واختيار إلهي لهذه الدولة املباركة التي يتنافس فيها الشعب مع الحكومة لتيسير وتقديم كـافـة الـخـدمـات املجانية للقادمني إلى اململكة ال كزوار أو سياح بل كضيوف منحهم الرحمن لنا اختيارًا واستحقاقًا لخدمتهم والسعي على راحتهم.. الــحــج فــي رأيــــي وعــلــى سـبـيـل االســتــشــهــاد ال التشبيه هــو كـــأس الــعــالــم األكــبــر الــــذي تـنـظـمـه املـمـلـكـة العربية السعودية كـل عــام بفخر واستهالل الستقبال القادمني إلــيــهــا وخــدمــتــهــم بـشـكـل ال يــقــارن مــع غــيــره وال مــع أي تظاهرة عاملية مدفوعة الثمن ومفتوحة الزمن والحرية الشخصية في تنقالت وخيارات الزوار. فالرعاية األبوية التي يحظى بها الحجاج ال تقارن مع غيرها منذ وصولهم ملنافذ اململكة وحتى مغادرتهم بدءًا من تقديم التطعيمات واألمصال الطبية لهم في صاالت الــفــرز، ومــــرورًا بـتـأمـني الــخــدمــات اإلسـكـانـيـة والغذائية والنقل في مساحات ومسافات ضيقة وحتى مغادرتهم وهم يحملون أسمى املشاعر وشربة من ماء زمزم ونسخة من املصحف الكريم.. وقــد يكون مـن حسن املـفـارقـة لبيان االقــتــدار السعودي عـلـى التنظيم وحــســن الــرفــادة والـــوفـــادة أن مــوســم حج 2018 فـي مكة املـكـرمـة بكل مـا يحمله مـن مـعـان دينية وروحــيــة سـامـيـة سبقته تـظـاهـرة عـاملـيـة أخـــرى قـبـل ما يــقــارب الـشـهـريـن وهـــو كـــأس الــعــالــم 2018 فــي روسيا، هــذه التظاهرة تتكرر كـل أربــع سـنـوات فـي دولــة مـا يتم اختيارها قبل 12 عامًا تقريبًا من موعد التنظيم لتكون جاهزة مستعدة لهذا الحدث وتجند لذلك كافة طاقاتها بينما فــي مـكـة تستضيف الـحـكـومـة الـسـعـوديـة موسم الحج كـل عــام بكل معانيه الدينية وتوقيتاته الزمنية التي ال تحتمل الخطأ اليسير وتفخر بأنها تقدم هذه الخدمات للمسلمني من كل فج عميق. وتقول األرقام واإلحصاءات أن عدد القادمني إلى روسيا من خارجها في كـأس العالم املاضية في كل املــدن التي استضافت مباريات البطولة على رقعة جغرافية واسعة كان ما بني 6٥0-٥00 ألف زائـر وقـادم من خـارج روسيا استعدت لوصولهم وإقامتهم دولــة عظمى مثل روسيا مــنــذ 12 عــامــا تــقــريــبــًا، بـيـنـمـا تــقــول آخـــر اإلحصاءات املقدمة من الجهات املسؤولة عن الحج إن عدد الحجاج القادمني إلــى مكة املكرمة وصــل إلــى مليون 700و ألف حاج؛ بمعنى أننا إزاء عدد يصل إلى ثالثة أضعاف عدد القادمني إلـى روسيا بأكملها طــوال شهر كامل ينفذون واجباتهم الدينية فـي مساحة مــحــدودة ووفــق تنقالت وتوقيتات مضبوطة في أيام معدودة. هذا االقتدار على التنظيم والترحيب بزوار البيت الحرام شـعـبـًا وحــكــومــة هـــو مـــا يـجـعـل الــواهــمــني واملوهومني يــتــمــيــزون غـيـظـًا ويــمــوتــون كــمــدًا ألنـــك قــد تـسـتـطـيـع أن تـــــزور الــتــاريــخ وتــلــعــب بــاملــصــالــح وتـــكـــذب فـــي اإلعالم وتـرقـص فـي ســوق النخاسة السياسي ولكن الجغرافيا تكذبك دائمًا وتشير بأصبعها إلـى أن السعودية كانت وما زالت وستبقى بإذن الله قلبًا نابضًا للعالم العربي واإلسالمي.