حتى يكون التوطني مستدامًا..!

لدي قناعة أن لدينا محالت ومنافذ بيع لكل األنشطة التجارية أكثر مما ينبغي بل وفـي كل زاويــة وشارع على امتداد مدن وقرى اململكة، ولم أجد لذلك نظيرًا في أي بلد زرته في العالم.. أعتقد أن لدينا قياسًا بعدد السكان وامتداد املدن عددًا أكثر من الالزم لبقاالت وصوالني حالقة ومحالت مغاسل وملبوسات وساعات ونظارات وكفتريات… إلخ وهذا اإلغراق التجاري لألسواق ومنافذ البيع في بالدنا لم يتم بغير رغبة السعوديني أنفسهم وأيضًا بمراعاة األنظمة التي سنت ذلك في العقود املاضية وبواسطة عمالة وافــدة استقدمناها من كل أقاصي األرض وتستطيع لتغربها وعدم وجود مسؤوليات اجتماعية لديها وحاجتها الشديدة للمال وتحقيق الذات إلى أن تعمل ساعات طويلة بدون إجازات وبعضها في ظروف قاسية وبأجور رخيصة اليطيقها أي مواطن في أي بلد. نموذج العمل أعـاله في أسواقنا وشوارعنا خلق أنماطًا اقتصادية واجتماعية لدى صاحب العمل الذي يأخذ «املعلوم» نهاية كل شهر ولدى العامل الذي يعمل ساعات طويلة بال كلل أو ملل حتى يفرض هو أيضًا نفسه وشروطه على صاحب العمل ويصبح هو املالك و«ولد الــســوق» واملتحكم الحقيقي بنشاط هــذا املحل أيــًا كــان نوعه بينما يحصل املستهلك على ما يريد في أي وقت وبأسعار منافسة مقارنة بالدول األخرى التي التعمل وفق هذا النموذج.. واعتبارًا من بعد غد الثالثاء املوافق 1440/1/1 هـ ستبدأ املرحلة األولــــى لـتـوطـني أربــعــة أنـشـطـة ضـمـن خـطـة وزارة الـعـمـل لـقـصـر 12 نشاطا تجاريا على السعوديني والسعوديات مع حلول 1440/5/1 وربما تستكمل بعدها قصر عشرات النشاطات على السعوديني في مـراحـل الحـقـة، وهــذا فـي مجمله مـن وجـهـة نـظـري أن الــــوزارة قررت العـتـبـارات وطنية أهـم - التخفى على أحـد - أن تغير نـمـوذج العمل املعمول به منذ أكثر من 40 عامًا.. وبغض النظر إن كنت أتفق أو ال أتفق مع وزارة العمل في خطتها تلك أو أن أبــدأ فـي إحـصـاء اآلثــار اإليجابية أو السلبية املتوقعة إال أنني أجزم بشيئني: أولهما أن عمليات التوطني في بالدنا ليست مستحيلة بل وسهلة جدًا خصوصًا أننا النتحدث حاليًا عن عمليات تقنية أو تخصصية معقدة أو نقل لتكنولوجيا متقدمة التستغني فيها الدول عن الخبرات األجنبية مهما توفر لها من طاقات. وثانيهما: أن الـوزارة ما زالت بحاجة إلى أن تستكمل تغيير نموذج العمل كامال بكل جزئياته وأطرافه، فمهما كان التدخل إيجابيًا ولكنه يتم بشكل جزئي فإن ذلك قد يخفض من احتماالت نجاح وزارة العمل في خطتها وربما يخلق أنماطًا أخـرى من التحايل وعـدم االستقرار ويـجـعـل مــن الــوظــائــف املــتــوقــع الــحــصــول عليها مــن قـصـر األنشطة وظائف غير مستدامة وذات رواتب متدنية قد تناسب عماال وافدين من دول فقيرة لكنها التتناسب مع الدخل املرضي للشباب السعودي الذي يتطلع أن تكون له حياته االجتماعية والترفيهية واالقتصادية املستقلة في وطنه وبلده ! فـمـا لــم تـسـع وزارة الـعـمـل والــجــهــات املـتـعـاونـة معها إلــى تحويل وظائف البيع في هذه األنشطة إلى وظائف مستدامة وذات محتوى نوعي عال تفتح لهم آفاق املستقبل التجاري فإنها ستظل كمن يحرث في البحر، فعلى سبيل املثال القضاء على اإلغراق في األنشطة ومنافذ الـبـيـع بـصـرامـة تنفيذ األنـظـمـة وتـتـبـع سلسلة الــتــوريــد لـكـل نشاط مستهدف يعطي امللتزمني باألنظمة حصة سوقية أكبر ويجعلهم قادرين على إيجاد الوظيفة املستدامة برواتب جيدة لطالبيها. وما لم تقم الوزارة بتحديد ساعات العمل في منافذ البيع أسوة «بكل