سقطات املنظمة األممية
لعل أصعب املواقف التي يواجهها أي إنسان عندما يبادر بمعالجة قضية مـا، هو الخلط املتعمد بني أوراق القضية بهدف تغيير الحقائق ومـزج الحق بالباطل، وألن غالبية األحداث السياسية يصعب معالجتها على نحو محايد، فإن أي سياسي أو معني باألمر ال يعاني من صعوبة شرح عدالة قضية بالده فحسب، بل يعاني من صعوبة محاوالت فك طالسم التحريف املتعمد لسياسة دولته، والتي تحرص جهات معينة على تحويلها مـن عمل خـيـر وإنـسـانـي لكل مـا هـو عكس ذلك تمامًا. ولعل أقرب مثال لذلك هو تلك الحملة األممية الشرسة التي تدور مؤخرًا داخل أروقة هذه املنظمة الدولية ضد قوات التحالف الهادفة إلعادة الشرعية لليمن، تلك الشرعية املنتهكة من جماعات الحوثي املـوالـيـة لـطـهـران، ولعل مـا تناوله العديد مـن زمـالئـي بالصحف السعودية حــول هــذا املــوضــوع مـا هـو إال مــحــاوالت حثيثة لنزع األلغام الفكرية وكشف املغالطات الجسيمة التي تورطت فيها هذه املنظمة والتي يفترض فيها الحيادية واملوضوعية. بنظرة موجزة وسريعة لطبيعة دور هذه املنظمة األممية، سنجد أن دورها تاريخي في اكتشاف الحقائق محدود تمامًا، فهي غير قــادرة على اختراق مناطق النزاع بموظفيها املدنيني، وبالتالي فهي ال تحصل على تقاريرها من خـالل متابعة ميدانية دقيقة، بل تستقيها من خالل تصريحات جماعات مسلحة غير محايدة تـمـنـحـهـا مــعــلــومــات خــاطــئــة ومــنــحــازة، كــمــا أنــهــا تــكــون عرضة لـضـغـوط تـلـك الـجـمـاعـات املــتــورطــة فــي الــنــزاع واملــتــاجــرة بدماء البشر، ومـن ناحية أخــرى أثبتت فشلها في حل أي نــزاع إقليمي على مدار تاريخها ومنذ إنشائها. نـحـن عـلـى يـقـني مــن أن منظمة األمـــم املـتـحـدة لــو مــارســت دورها املفترض منها في فرض العدالة وعدم التمييز بني الدول ألصبح الــعــالــم أكــثــر أمــانــًا بكثير مـمـا هــو عـلـيـه اآلن، فــاألمــم املــتــحــدة ال تـبـالـي بـاسـتـتـبـاب األمـــن بــني الـــدول املـتـصـارعـة بالفعل بــقــدر ما تبالي بإصدار قرارات روتينية باهتة وغالبًا ما تصدر بعد فوات األوان، ودونـمـا تقييم محايد أو حتى صائب للقوى املتصارعة وتحديد الجاني من املجني عليه، وأكبر مثال على ذلك عدم إدانة األمم املتحدة لتدخل إيران في اليمن وسوريا ولبنان، واكتفائها بإدانة قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، وهو األمر الذي يطرح الكثير من عالمات االستفهام. ملاذا تتجاهل األمم املتحدة األسباب وتدين النتائج؟ من هنا فإنه ليس بوسعنا إال أن نذكرها بـأن اململكة ليست من دعــاة الحرب، وال تسعى -ولــم تسع يـومـًا- للتوسع فـي اليمن (وال فـي أي دولة أخــرى)، وهـى لم تتدخل في اليمن إال بدعوة رسمية من رئيسها الشرعي املنتخب، إلنقاذه من تخريب وإرهــاب جماعات الحوثي املجرمة، كما أنها طوال تاريخها وخالل كافة أزمات اليمن كانت الــداعــم األول واألســاســي للشعب الـيـمـنـي، ســـواء مــن خــالل مراكز إغاثتها أو دعمها املـالـي واملــادي والعيني لـه، ولطاملا كانت وال تــزال أكبر مساهم في عمليات إعــادة بناء اليمن، وآخـرهـا ترميم البنى التحتية واملرافق التي دمرتها آلة الحرب الحوثية، والتي ال تتوقف عن نهب تلك املساعدات واالستئثار بها ومنعها عن بقية املواطنني اليمنيني. يؤسفنا بالفعل أن تنحاز تقارير األمم املتحدة للجاني وتتغاضى عــن جــرائــمــه، بــقــدر أسـفـنـا لــعــدم تـقـديـرهـا لــــدور قــــوات التحالف الهادفة إلعادة الشرعية واالستقرار لليمن، ولكن يكفينا أن يذكر لـنـا الــتــاريــخ مساعينا لـيـس فـقـط لـــدرء الـخـطـر عــن حـــدودنـــا، بل لحماية الشعب اليمني الذي تجمعنا به عرى وثيقة وتاريخ طويل من حسن الجوار، مما يحتم علينا أن نقف بجواره في محنته وقت دعوته لنا، ويكفينا أن تضيف املنظمة األممية لسجل إخفاقاتها في حل النزاعات بني الدول سقطة جديدة من سقطاتها املتعمدة، متجاهلة دورها املفترض في إبراز الحقائق كما ينبغي.