الوجه اآلخر للتعددية الفكرية.. يا لطيف!
بعد أحــداث 11 سبتمبر حدثت ردة فعل في املجتمع الفكري الـــعـــربـــي، ارتــفــعــت فــيــه أصــــــوات الـــنـــداء بــالــتــعــدديــة الثقافية الفكرية كـحـراك إصــالحــي. ورأى الكثير مـن مفكري الـعـرب أن املخرج الحقيقي ألزمـة التطرف والتشدد الفكري في املجتمع العربي واإلسـالمـي هو صـوت التعددية الفكرية وقبول اآلخر بخيره وشــره في ظل احـتـرام حــدود الخصوصية املجتمعية، واعـتـلـت املـنـابـر والـصـحـائـف أصــــوات وأقــــالم قــبــول اآلخرين؛ حتى انطلقت األبحاث األكاديمية وغير األكاديمية في البحث عن مفهوم التعددية الفكرية وتأصيلها الشرعي، كما انطلقت أصوات الفالسفة بهذا الشأن وفلسفها األغلب منهم بأنها روح اإلنسانية وفطرتها الكونية، كل ذلك أرادوا به مواجهة حركات التطرف والتشدد والتصدي ملخاطرها القادمة. نعم ليس اآلخــر هــو الـشـر املـطـلـق، ولكنه أيـضـًا ليس بالخير املــطــلــق، هـــذه الــورقــة لــأســف سـقـطـت مــن حــســابــات مـــن نادوا بــالــتــعــدديــة وإشــاعــتــهــا، نـسـيـنـا لــأســف مـــرة أخــــرى مـــع هذه املواجهات أن للتعددية الفكرية وجهًا آخر مظلمًا استطاع من خالله أصحاب األيديولوجيا واألحـــزاب واألهـــداف السياسية -كجماعة اإلخـــوان تـحـديـدًا- استغاللها واخــتــراق املجتمعات بحجة التعددية الفكرية ونشر أهدافهم والتوغل في بث أفكارهم والـسـيـطـرة على املـنـابـر واملـحـابـر بحجة نشر ثقافة التسامح الفكري املجتمعي، استغلوا الوجه اللطيف للتعددية الفكرية في التسامح مع اآلخر في ظل حدود االحترام للموقف الفكري واإليمان بحرية الرأي والفكر الذي يضمن للمجتمعات العربية تطورها الثقافي في املجتمع وصناعة االحترام املتبادل الذي ينمي من أخالق املجتمع ويخلق حالة من التسامح الفكري بني الجميع. ال أزايــد على أن التعدد الفكري حقيقة أزلـيـة وفـطـرة إنسانية أقــاّرتــهــا الــرســالــة اإلســالمــيــة اإلنـسـانـيـة منهجًا ولـيـسـت شعارًا فارغًا. منهجًا يحترم فيه كافة األطياف الفكرية ويتعايش معها بسالم، وال أزايد على أن التعددية أذابت صوت األحادية ويعود لها الفضل فـي املــوازنــة بـني كافة املناهج الفكرية دون تسلط أحــدهــا على اآلخـــر، ولـكـن كما للقمر وجـهـه املــضــيء لــه أيضًا جانبه املظلم، لذلك ال بد أن يحضر العقل الناقد مع التعددية وأن يسير معها في تجاه واحد لحماية منهجها من استغالل الجماهير عن طريقه، العقل الناقد وإتاحة الفرصة للرأي اآلخر الناقد حاملا يسير مـع التعددية الفكرية نحو طريق مــواز له هـو بمثابة البناء للتعددية ومساعدة منهجها على الثبات، فجماعة اإلخــوان املسلمني مثال التي ساعدتها األحـاديـة على التمكن واالنتشار ترى بأنها أيضًا تستطيع استغالل التعددية بالدعوة إلـى التعايش حتى تصل إلـى السلطة وتتمكن منها فتنقلب عليها وتفرض أحاديتها بالتالي على الجميع. للتعددية الفكرية بـوابـة أخــرى يمكن مـن خاللها أيــا مـن كان استغاللها ليزرع في طرقاتها من كل ما لذ وطاب له من مذاقه الخاص ويسقيها من عبث بنات أفكاره ثم يبيع نباتها وبذرها ملن يشاء ممن يستهدفهم؛ فلنحذر من هؤالء وننشر التعددية ونحن على الـوعـي الـتـام بــأن اآلخــر ليس الشر املطلق وال هو بالخير املطلق.