Okaz

مواسم اخلير والطاعات

-

جعله الله عام خير وبركة على بالدنا الغالية وأدام علينا نعمة األمن واألمـان والعافية، ونحمد الله أن امــن علينا بـمـواسـم لـلـطـاعـا­ت وجعلها للمسلمن مواسم خير وبركة ومـسـرات، فاملسلم في سيره إلى خالقه بن عبادة وطاعة يــدور عليها ليصل بها إلـى دار السعادة والــخــلـ­ـود. ومــع هــذه الــصــورة املـشـرقـة ملـاهـيـة الــقــربـ­ـات والعبادات املوصلة إلـى الــذات العلية في سموها املطلق، يتزيد البعض فيها بغير سابق معرفة أو اهتداء بسنة ثابتة. تـبـدأ سنة املسلمن حسب التقويم املعتمد مــن السنة الـتـي هاجر فيها رســول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الكرمة إلـى املدينة املــنــور­ة، والــتــار­يــخ الـهـجـري يعتمد أســاســا عـلـى دورة الـقـمـر التي تقابل الدورة الشمسية، لذا فإن العام الهجري أقل من العام امليالدي بأحد عشر يوما، وخالل العام الهجري هناك العديد من املناسبات مثل شهر رمــضــان وعـيـد الفطر والــحــج وعـيـد األضــحــى، وال تأتي هذه املناسبات في نفس موسمها من كل عام إال كل ثالثة وثالثن مــرة، حيث تكمل الــدورة القمرية، لـذا فقد يأتي رمضان في موسم الصيف والشتاء، وكذلك الحج. وفي شهر محرم يستقبل الناس يوم عـاشـوراء بالصيام اعتمادا على حديث ورد في صحيح البخاري 3/37 عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم املدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ فقالت اليهود إن هذا يوم نجي فيه بني إسرائيل من عدوهم فرعون فصامه موسى، فقال عليه الصالة والسالم أنا أولـى بموسى وأحـق بصيامه منكم وأمــر الــنــاس بصيامه، هــذه خـالصـة مــا يستند عليه عـامـة الناس في مشروعية هذا الصيام، مع أن األصـل في العبادات كلها الوقف بمعنى عــدم الـقـيـام بـهـذه الـعـبـادة مـا لـم يكن لها أصــل فـي الشرع، اسـتـنـادا إلــى قوله تعالى: (أم لهم شـركـاء شـرعـوا لهم مـن الـديـن ما لم يأذن به الله)، فهل ثمة تشريع من عند الله سبحانه وتعالى في هذا الصيام؟ يقولون إن الرسول قدم املدينة ورأى اليهود يصومون هذا اليوم فصامه وأمر املسلمن بصيامه، فهل يقتدي الرسول ًعليه الصالة والسالم باليهود والنصارى أو بأي أحد من الناس كائنا من كان في العبادة؟ فإن في هذا القول تصادما واضحا وصريحا مع املتواتر عنه عليه الصالة والسالم أنه ال تشريع إال من عند الله، وهو أيضا في تعارض مع املشهور عنه عليه الصالة والسالم في مخالفة اليهود والـنـصـار­ى كما قــال: (خـالـفـوا اليهود وصـلـوا فـي نعالكم) كما جاء في الدر املنثور )3/439( عن أنس فاألصل على هذا املبدأ أنـه ينهي الناس عن صيام عـاشـوراء ملخالفة اليهود ال أن يأمرهم بتقليدهم كما أن قولهم إن الرسول عليه الصالة والسالم قدم املدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فيه إشكال كبير كما ذكره ابن حجر في الفتح ،)7/694( ذلك ألن الرسول عليه الصالة والسالم قدم املدينة في ربيع األول، فكيف رآهم يصومون عاشوراء؟ وإن لم يكن يعلم بصيامهم إال في السنة الثانية من الهجرة فال يكون ثمة مجال للمسلمن بصيامه إال في السنة الثالثة وهذا االحتمال ال يستقيم على حال ألن صيام رمضان قد فرض في السنة الثانية من الهجرة وبإيجاب رمضان سقط صيام عاشوراء من الوجوب وحتى الندب واالستحباب كما ذكره ابن حجر في الفتح .)4/771( فـهـذه الـتـنـاقـ­ضـات تـوجـب إيــقــاف الـعـمـل بـهـذا الــحــديـ­ـث، ولـقـد جاء العتاب ملزيد مـن التناقضات فـي سنن الترمذي )748( مـن حديث عائشة أنها كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية وكان الرسول عليه الـصـالة والـسـالم يصوم معهم، فهل يشترى أحــد مـن الـنـاس القول بـأن الـرسـول كـان قبل البعثة يقتدي باملشركن وعـبـدة األوثــان في أي عبادة من العبادات، فاملتواتر عنه االعتزال التام املطلق عن كل طقوس وعبادات املشركن، والتحنث في غار حراء. ثم هب جدال أنه كان يصومه مع املشركن ويعرف حيثياته وهو نجاة بني اسرائيل من فرعون، فهل يستساغ القول بأنه عليه الصالة والسالم حينما قدم إلى املدينة يسأل اليهود عن صيام هذا اليوم؟ مع أن املشركن في مكة والرسول عليه السالم لم يكن لديه وال لدى قريش أي أخبار تفصيلية عن موسى وال عيسى وال أحد من األمـم السابقة كما قال تعالى: (ومـا كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلـى موسى األمـر وما كنت من الشاهدين). وجاء في كنز العمال )1714/1( أن هذا اليوم مــوضــع الـبـحـث لـيـس فــي الــعــاشـ­ـر مــن كــل عـــام بــل هــو الــتــاسـ­ـع كما نقله عن ابن عباس قوله: إذا رأيـت هالل املحرم فاعدد وأجمع يوم التاسع صائما، وفي هذا املزيد من االضطرابات، بل ذكر ابن حجر في فتح الباري )4/771( أن أهـل املدينة لم يكونوا يصومون هذا اليوم. وذكر البيطار أن معاوية حينما قدم في الحج وقوله لهم: (أين علماؤكم؟) وبلغه أن الناس في املدينة يكرهون صيام هذا اليوم، بل نقل ابن حجر )4/771( عن البيروتي عن زيد بن ثابت قوله ليس يــوم عــاشــورا­ء باليوم الــذي يقوله الـنـاس، إنما كــان يــوم تستر فيه قريش الكعبة، وكـانـوا يصومون ذلـك الـيـوم، وهـو يختلف من عام آلخر في الحساب لأهلة الشمسية، وكانت قريش يأتون إلى فالن اليهودي في املدينة ليحسب لهم ذلـك الـيـوم، وكانت اليهود تسير في حساباتهم وأعيادهم بالسنة الشمسية، فالشاهد أن التضارب فـي األقـــوال واضــطــرا­ب األحــاديـ­ـث فـي هــذا املــوضــو­ع يـوجـب إيقاف العمل به كما هو معروف في علم مصطلح الحديث، فالعبادة ليست بالهوى والتشهي وإنما هي باإلتباع لشرع الله وسنة نبيه، قضى ديننا اإلسالمي أن املسلم إذا اجتهد وأصاب كان له أجران وإن أخطأ فله أجر، فلكل مجتهد نصيب ودائما املصيب في الواقع واحد ولكن املخطئ غير متعن وهو غير آثم بل له أجر بـإذن الله، الصيام في سبيل الله أجــره عظيم وهــو يباعد العبد عـن الـنـار ولكن ال نربط صيامنا بمناسبات بعينها.

 ??  ?? مواساة والدة الطفل شادي عبد العال، البالغ من العمر 11 عامًا، الذي قتلته القوات اإلسرائيلي­ة خالل مظاهرة في السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة. (رويترز)
مواساة والدة الطفل شادي عبد العال، البالغ من العمر 11 عامًا، الذي قتلته القوات اإلسرائيلي­ة خالل مظاهرة في السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة. (رويترز)
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia