احلق البعارين!
يحلو لبعض الكتاب واملثقفني ورجـال املجتمع تذكر أنـهـم عـنـدمـا كــانــوا عـلـى مـقـاعـد الــدراســة فــإن الواحد منهم يذهب بعد «الصرفة» من املدرسة إلـى دكـان أو ورشة أو مطبخ أو مصنع والده ملساعدته في مهنته، بل إن بعضهم كان يفعل ذلك وهو على مقاعد الدراسة الجامعية، حتى أن طالب مرحلة ثانوية أصبح فيما بعد وزيـــرًا، كــان إذا مـا عــاد مـن مدرسته فإنه يساعد والـده الـذي يعمل في السقاية لبيوت الحي، وإنـه ظل يفعل ذلــك حـسـب روايـــة أوالد حــارتــه بـعـد أن أصبح يدرس في جامعة بالرياض، خالل وجوده في العطل مع أسرته املكية. وكــــان املــتــحــدثــون يــشــعــرون بــالــفــخــر ألنــهــم مـــن أسر كـادحـة، وألنهم تعلموا من خـالل مشاركة آبائهم في مـهـنـهـم مـهـنـًا جـعـلـتـهـم يــعــتــمــدون عــلــى أنـفـسـهـم في مــســيــرة الــحــيــاة، لـيـنـبـري بـعـضـهـم عــلــى شــبــاب هذه األيــــام ألنـــه لــم يـفـعـل مـثـل مــا فـعـلـوه مــن قــبــل، وأنهم ضــيــعــوا مــهــن اآلبـــــاء واألجــــــداد الــتــي كــانــت تجعلهم عوائل مستورة وربما مسيورة، ولكن هؤالء املفاخرين بمجدهم املهني القابر نسوا أو تناسوا أمرًا مهمًا وهو أنـهـم أنفسهم لــم يحافظوا على املـهـن الـتـي يزعمون أنــهــم كـــانـــوا يــســاعــدون فـيـهـا آبـــاءهـــم، ألنــهــم عندما كانوا قبل عقود صغارًا أو شبانًا، فـإن الـواحـد منهم إذا خرج من املدرسة وجد والده في الدكان أو الورشة أو املخبز أو املصنع أو محل الخياطة، أمــا اآلن فلو أن شابًا صغيرًا أراد فعل ذلــك فإنه سيجد أن جميع املــؤســســات الــتــجــاريــة الــصــغــيــرة مـــن ورش سيارات وبــقــاالت ومــحــالت صيانة ونـظـافـة وحــالقــة وديكور ونــجــارة وخـيـاطـة يـديـرهـا وافــــدون، وإن كــان السجل التجاري باسم مواطن ليس له إال «الجعل» الشهري، الذي يقدمه له الوافد باعتباره صاحب اليد العليا، بل إن املـزارعـني والـرعـاة تركوا الـزراعـة وجلبوا مزارعني ورعاة، وأصبح الواحد منهم يتمشى بسيارته ويزجر الراعي بقوله: الحق البعارين! فـــإذا كــان اآلبـــاء فــي الــوقــت الــحــالــي، الــذيــن يفاخرون بأنهم في صغرهم شاركوا آباء هم في تحمل مسؤولية املهن التي كان يقوم بها املواطن، قد أصبحوا موظفني أو تنابلة متسترين، فكيف يالم الجيل الحالي على أنه ال يذهب لتعلم مهنة أو صنعة أبيه أو جـده، ولو أنه ذهـب إلـى محل يرفع اسـم والــده املتستر وقــال للوافد صـاحـب املــال إنــه يـريـد أن يعمل فـي محل والـــده فهل سيقابل بغير السخرية من الوافد، الذي سيربت على كتفيه قائال له: هذا كله حق أنا.. امِش على طول !