Okaz

إيران عندما ترتبك

- * باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق األوسط

يــقــتــر­ب يــــوم الـــرابــ­ـع مـــن نــوفــمــ­بــر حــيــث موعد الحزمة الثانية من العقوبات األمريكية تجاه نـظـام املــالــي، وكلما اقـتـرب هــذا املـوعـد أصاب الــنــظــ­ام حــالــة مــن اإلربـــــ­اك تـدفـعـه إلـــى اتــهــامـ­ـات يلقيها ذات اليمن وذات اليسار. كان آخرها تصريح ملندوب النظام في منظمة األوبك بأن اململكة العربية السعودية ودولة اإلمارات العربية املتحدة تخونان النظام عندما يـزيـدان مـن اإلنتاج فــي حـــال تــوقــف الــنــفــ­ط اإليـــران­ـــي! هـــذا الــتــصــ­ريــح ال يخالف قواعد السياسة وحسب بل إنه يتجاوز قواعد العقل واملنطق. وبــالــعـ­ـودة إلــى منظمة األوبـــك وهــي منظمة الـــدول املصدرة للنفط، وهذه املنظمة لديها مهمة محددة وهي الحفاظ على الــتــواز­ن بــن الــعــرض والـطـلـب بحيث يـصـب ذلــك فــي أسعار مـتـوازنـة مـن جهة والـحـفـاظ على اسـتـقـرار الـسـوق والحفاظ على النمو العاملي من جهة أخرى. إذا املنظمة ليست تحالفا سياسيا أو عسكريا وإنما لها مهمة محددة. على هذا األساس فإن االتهامات التي يكيلها نظام املالي سخيفة وإنما تشير إلـــى حــالــة الـهـلـع الــتــي تـرتـفـع لـــدى الــنــظــ­ام بـسـبـب السياسة األمريكية من جهة وانخفاض رصيده لدى املجتمع الدولي الذي بات يقترب أكثر من املوقف األمريكي. بالفعل كان يمكن للدول العربية أن تكون عونا إليــران، لو أن إيــران منذ ثورة الخميني قدمت لغد، على العكس من ذلك كانت حريصة طوال األربــعــ­ة عـقـود املـاضـيـة عـلـى نـشـر الـفـوضـى فــي دول الجوار والــعــرب­ــيــة عـلـى وجـــه الــتــحــ­ديــد. كـيـف يـمـكـن لــلــدول العربية أن تساند نظاما يستهدف أمنها، كيف يمكن أن تساند من ينشر اإلرهــاب والتطرف أينما وطـأت أقـدامـه، كيف يمكن أن تقف مع نظام يتبجح بأنه يسيطر على أربع عواصم عربية، كيف تساند مـن يـوجـه صـواريـخـه الباليستية إلــى الشعوب الــعــربـ­ـيــة، كــيــف يـمـكـن أن تــســانــ­د نــظــامــ­ا قـــاد هـجـمـة بربرية على الشعب السوري، وجلب كل مرتزقته وشــذاذ اآلفــاق لكي يعيثوا قتا وتقتيا بهذا الشعب املظلوم. ولطاملا مد العرب أيديهم لهذا النظام ولكن في كل مرة تأتيهم ضربة الغدر من الخلف بأيادي هذا النظام. كم من مرة كشفت األجهزة األمنية في الـدول العربية والخليجية على وجه التحديد عن عماء وجــواســي­ــس وإرهــابــ­يــن يتبعون لـلـحـرس الــثــوري، إذا على إيران أن ال تلومن أحدا سوى نفسها وسياساتها على امتداد سنوات طويلة. حالة االرتباك لم تقتصر على دول الجوار اإليراني بل امتدت لـتـشـمـل الـــــدول األوروبـــ­ـيــــة، فــأطــلــ­ق جــــواد ظــريــف تهديداته الجوفاء بأن إيران سوف تستأنف برنامجها النووي في حالة لم تستطع أوروبا تعويض إيران عن العقوبات األمريكية، وإذا لم تعمد الـدول األوروبية إلى معاقبة الشركات التي سحبت استثماراته­ا في إيــران. ظريف يعاني من سوء فهم للموقف األوروبــي سببه حالة االرتباك املشار إليها. أوروبــا عارضت انسحاب الواليات املتحدة من االتفاق النووي ولكن ذلك يعود إلى مبدأ أوروبي يرى أن التوجهات الدولية ال يجب أن تنفرد بها اإلدارة األمريكية. وبالتالي فإن املحافظة على االتفاق ليس لتحالف بن أوروبا وإيران كما يتوهم حكام طهران. لذلك فإن أوروبـا لن تعاقب شركاتها ولن تعوض إيـران بشكل حقيقي عما سيلحق بها من أضرار اقتصادية، وإذا ما انسحبت إيران من االتفاق النووي فإن أوروبــا سوف تجدها فرصة للعودة لـأحـضـان األمــريــ­كــيــة. الــتــهــ­ديــدات اإليــرانـ­ـيــة ألوروبــــ­ا ليست سوى جعجعة ولن نرى من بعدها أي طحن. أما في سوريا فإن طهران بالرغم من أنها استضافت اجتماع الدول الضامنة التي تضم باإلضافة لها كا من روسيا وتركيا، فإن االبتسامات أمام الكاميرات لم تخف فجوة الخافات بن األطراف الثاثة حول عملية إدلب، إيران تريد سيطرة عسكرية تشارك فيها امليليشيات التابعة لها، ولكن املجتمع الدولي وفـي مقدمته الــدول الغربية يرفض بشكل مطلق أن تشترك تلك امليليشيات، ويدعو إلى انسحاب إيران وميليشياته­ا من سوريا، وبالتالي وجدت روسيا وتركيا أن إيران تعقد املشهد السياسي والعسكري، لذلك بدا أن هناك تنسيقا روسيا ـ تركيا منفصا عـن إيـــران، وهــذا مـا ظهر جليا فـي زيـــارة أردوغان إلـى سوتشي ولقائه للمرة الثانية خـال عشرة أيـام الرئيس بـوتـن. واملعلومات تشير إلـى تنسيق عسكري يقتصر على تركيا وروسيا لضمان منطقة آمنة والقضاء على التنظيمات اإلرهابية. صحيح أن االتفاق التركي ـ الروسي ليس واضحا ولكن املـؤكـد أنــه يستبعد إيـــران، بالرغم مـن أن هــذه األخيرة استماتت وال تـزال من أجل إشعال املوقف عسكريا، وأرسلت ميليشياتها إلـى حــدود محافظة إدلــب، كما أن قــوات النظام حيث يوجد الحرس الثوري يعمد إلـى قصف منظم ملناطق تابعة للمعارضة في املحافظة. ومع ذلك فإن هذه املحاوالت باء ت بالفشل. تدرك إيران أنها مقبلة على مرحلة جديدة وأن األوضاع التي حظيت بها منذ االحتال األمريكي للعراق، وتجاهل املجتمع الدولي آلهات الشعوب التي اكتوت بنيران نظام املالي، تدرك أن هذه األوضاع بدأت تتغير. وبات العالم يدرك الخطر الذي تمثله السياسة اإليرانية في املنطقة، وهذا ما يصيب النظام باالرتباك.

 ??  ?? د. رامي الخليفة العلي * @ramialkhal­ife
د. رامي الخليفة العلي * @ramialkhal­ife

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia