Okaz

ما بعد «داعش» في دير الزور.. ودور دول اخلليج

تساؤالت

- تحقيق عبداهلل الغضوي

نهاية العام الحالي 2018 سينتهي مفهوم «داعش» على األرض كقوة سيطرة عسكرية وكيان مادي ملموس كما كان من قبل، وستنتهي أيضا مرحلة القوةد العسكرية ألخطر تنظيم إرهابي مر على العالم. «داعــش» اليوم بال جغرافيا، بال أوكــار، بال منظومة، سقط كل شـيء، ذلك أن آخر جيوبه في (هجني - الشعفة - السوسة- الباغوز)، بدأت تتهاوى بعد إعالن عملية «دحر اإلرهاب» من قبل قوات سورية الديموقراط­ية والتحالف الدولي، هذا يعني أنه من دون مسرح عمليات للتخطيط وإحداث إرباك وتأثير في الجوار أو على املستوى العاملي، خصوصا أن العديد من العمليات اإلرهابية التي تمت في أوروبا كان قد تم التخطيط لها من األراضي السورية والعراقية. ربما تطول املعركة قليال في آخر معاقل التنظيم، بسبب اكتظاظ هذه املناطق بكل مقاتلي التنظيم في سورية، على خالف توقعات قوات سورية الديموقراط­ية، ولكن النهاية باتت محتومة، وقبل أن نفرح بالنهايات العسكرية وانهيار دولـة اإلرهــاب والخوف، ثمة سـؤال مزعج للجميع، وبالدرجة األولى للواليات املتحدة األمريكية.. هل انتهينا من «داعش» ؟! من املبكر اإلجابة عن هذا السؤال، بل إن االختبار الحقيقي لدور الواليات املتحدة في ضرب «داعش» هو التخطيط ملا بعد نهاية التنظيم، ومنع أي بـذور فكرية لهذا التنظيم من النمو، كما حـدث في العراق، وصدر العراق فيما بعد «داعش» إلى سورية، بعد أن كان التنظيم طوال سنوات خاليا نائمة استغلت الفراغ األمني في سورية لتسيطر على ثلث األراضي السورية. لقد منحت العمليات العسكرية السريعة واملتتالية على مناطق «داعش» في دير الزور، «داعش» فرصة تشكيل الخاليا النائمة، ولعل األحداث األمنية في مدينة البصيرة على سبيل املثال تثبت وجود هذه الخاليا، هذا باإلضافة إلى 4 سنوات من عملية الضخ الديني املتطرف الذي تعرضت له مناطق ريف دير الزور؛ إذ سيطر على هذه املناطق كل من «النصرة» و«داعش» (األخوين في التفكير)، وبالتالي يحتاج املجتمع هناك إلــى عملية معالجة نفسية طويلة األمـــد، بمعنى استيعاب كـل ردود الفعل على الوجود الكردي واألمريكي، ناهيك عن أصابع النظام وبعض املتعاونني معه يحاولون زعزعة االستقرار. كل هذه العوامل هي تناقضات يمكن للتنظيم أن يتموضع في داخلها وإنتاج نسخة من نوع آخر، ما لم تتطلع الواليات املتحدة إلى إعادة اعتبار للقوى املحلية وإشراكها بالشكل واملضمون في بناء مجتمعاتها، على أال تكون من الدرجة قوى الثانية، ما يولد لديها رد فعل سلبيا جدا يجعلها ترى في استمرار الفوضى مصلحة لها، على العكس تماما، يجب أن تشعر هذه القوى أن مصالحها مرتبطة باالستقرار والوجود األمريكي. هناك احتماالت معتبرة؛ أن تتحول هذه املناطق إلى خاصرة هشة للتحالف الدولي واألكــراد معا، كما حدث في العراق وتحولت الفلوجة واألنبار إلى حواضن عاطفية للتنظيمات املتطرفة.. حينها ستلجأ الواليات املتحدة إلى استنساخ تجربة الصحوات.. لكن مع ذلك سورية ليست العراق. على األقل نتيجة معطيات «الربيع العربي» وعوامل أخرى - لسنا في صدد ذكرها- السياسية.. إذا أين الحل؟ الحل في إعادة إنتاج قيادات مجتمعية مثقفة ومرموقة، إلى جانب الشخصيات العشائرية التقليدية، وكذلك تطمني هذه املناطق أن النظام السوري لن يعود مجددا، وإقناع هـذا املجتمع بأنه سيكون صانعا لنفسه وليس فقط لتنفيذ مصالح ال تعنيه، والبد بعد ذلك من النظر وبدقة إلى مسألة النفط، التي كانت وال تزال عقدة املجتمع هناك.. فالسؤال التاريخي كان وال يزال.. إلى أين يذهب هذا النفط ؟ ربما الــواليــ­ات املتحدة األمريكية وحـدهـا غير قـــادرة على فهم كــل هــذه املـعـطـيـ­ات، لكنها عــلــى األقـــــل يــجــب أن تــتــحــر­ك فـــي هذا اإلطار، وبطبيعة الحال باعتبارها قوة جـديـدة على املنطقة (ديــر الـــزور)، فهي بحاجة إلــى دول حليفة وصديقة للعمل على ضمان أمن هذه املجتمعات، وبالتالي وأد فكرة عودة «داعش» مرة أخرى إلى تلك املناطق واالنشغال بفكرة التنمية، وستلعب فـــي هـــــذه الـــحـــا­لـــة مــجــمــو­عــة ضــخــمــة من املهاجرين السوريني في دول الخليج دورا إيجابيا في دفـع املنطقة نحو االستقرار، بحكم العالقة التاريخية بني مناطق شرقي الفرات ودول الخليج وخصوصا السعودية والكويت والبحرين، هــذه الــدول األكـثـر قــدرة على التأثير في مناطق دير الزور، باعتبارها دوال سنية وأيضا تربطها عالقات تاريخية بهذه املناطق. مشكلة الشرق السوري مشكلة تاريخية، مع النظام ومع الثورة ومع مفرزات الثورة، هذا التراكم قد ينفجر في أي لحظة ويتحول إلــــــى فــــوضـــ­ـى جـــــديــ­ـــدة وبــــــــ­ــؤرة يسهل اخـتـراقـه­ـا مــن التنظيمات املتطرفة، فــــــاأل­كــــــراد والــــتــ­ــحــــالـ­ـــف أمــــــــ­ام هذه التحديات، آجال أم عاجال.

 ??  ?? نساء وأطفال يغادرون مساكنهم في دير الزور، هربًا الصراع الدائر. الزميل عبداهلل الغضوي مع مقاتلين من قوات سورية الديموقراط­ية على خط التماس بين «داعش» والنظام في الباغوز على الحدود العراقية السورية.
نساء وأطفال يغادرون مساكنهم في دير الزور، هربًا الصراع الدائر. الزميل عبداهلل الغضوي مع مقاتلين من قوات سورية الديموقراط­ية على خط التماس بين «داعش» والنظام في الباغوز على الحدود العراقية السورية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia