هل كسرت السعودية الطوق !
هناك سـؤال يشرح إلـى حد كبير كل ما يحصل فـي املنطقة املـمـتـدة مـن الــريــاض إلــى العاصمة اإلثــيــوبــيــة أديـــس أبــابــا، هــل كــســرت السعودية الـــطـــوق الـــــذي حـــاولـــت اإلدارة األمــريــكــيــة الــســابــقــة جاهدة محاصرتها داخله ؟ طـوق صنع على عني أوباما وبمساندة من إيــران وقطر والتنظيم العاملي لـإخـوان، تمهيدا لتحقيق أحد أمرين، إما «انهيار داخلي» تعقبه فوضى تشبه إلى حد كبير ما حصل في ليبيا نظرا لتقارب الـظـروف االقتصادية والبنية االجتماعية والقبلية بني البلدين، أو إجبار الرياض عــلــى الـــتـــراجـــع عـــن أدوارهـــــــــا الــعــربــيــة واإلســـامـــيـــة وفرض أجــنــدات إقـلـيـمـيـة ودولــيــة عـلـيـهـا، بـمـا فـيـهـا قـيـم اجتماعية ودينية مرفوضة شعبيا لخلق انفصال بينها وبني جبهتها الداخلية. الجواب.. بالتأكيد فعلت السعودية ذلك وبنجاح «مؤلم ومر» ألعدائها، لكن ما هو الطوق الذي كسر وكيف حصل ذلك.. بــــدأت املـــؤامـــرة بـالـتـشـكـل داخــــل رحـــم اإلدارة األمــريــكــيــة منذ وصول باراك أوباما وطاقم عمله اليساري للحكم العام ،2008 إال أنه تسارع أكثر مع دخول االحتجاجات أو ما سمي بالربيع العربي إلــى دول البحرين واليمن وســوريــة ومـصـر وتونس ولــيــبــيــا، كــانــت أيــامــا صـعـبـة عــلــى الــســيــاســيــني السعوديني، فالعالم العربي يشتعل وينهار من حولها وهـي بني نارين، املحافظة على سلمها وأمنها الداخلي من محاوالت تفتيته، والحد من الخسائر بني الحلفاء األوفياء والدول الشقيقة التي تم االنقاب عليهم بمباركة أمريكية. استوعبت الرياض الصدمة األولى وبدأت في تقليل األضرار، والــتــزمــت أمـــام الــلــه والــشــعــوب الـعـربـيـة بــإعــادة بــنــاء اإلقليم مــن جــديــد، وهــو الــذي تـضـرر بسبب املخطط الـهـائـل والدعم اإلعامي واملالي لدول الغدر والخيانة. تدخلت الـريـاض فـي البحرين عبر قــوات درع الـجـزيـرة قبيل ساعات من نجاح انقاب إيراني هناك، بالتأكيد أغضب ذلك املخططني كثيرا وعلى رأسهم أوباما وهياري كلينتون، لم يكونوا يتصورون أن الضربة األقوى ستكون في القاهرة خال أشهر، لقد خططوا ملصر أن تكون الرافعة الكبرى للمشروع، فهي القادرة على تغيير موازين املعادلة في املنطقة- كان معهم كل الحق- لكن األمر لم يدم، فالشعب املصري وجيشه املخلص لعروبته ووطنه أعادوا مصر إلى الحضن العربي من جديد. لـم يكتمل ترميم املنطقة، فـبـدأت الـريـاض بتأمني خاصرتها الجنوبية، وأطلقت املرحلة الثانية من مشروعها اإلستراتيجي تحت اسم «عاصمة الحزم» أول العام 2015 لتحرير اليمن من االحتال اإليراني املستتر خلف امليليشيات الحوثية، وضيقت الخناق على اإلرهــاب القطري في حدودها الشرقية، وقضت عــلــى بـــؤر اإلرهـــــاب الــتــي خـلـقـتـهـا «قــطــر وإيــــــران» باملشاركة واملساندة املالية وتهريب األسلحة واملتفجرات. تحققت معظم األهداف اإلستراتيجية السعودية على األرض، بــدءا مـن تأمني حـدودهـا الجنوبية وإبـعـاد الحوثيني عنها، وترسيخ الشرعية اليمنية، وتدمير مستودعات األسلحة التي خزنت ملـدة 10 أعــوام على أطــراف الـحـدود الستخدامها ضد اململكة يوما ما، وإخــراج الخبراء اللبنانيني التابعني لحزب الــلــه مــن الـيـمـن، وإخــــاء الــجــزر اليمنية مــن الــحــرس الثوري اإليراني وتدمير القواعد العسكرية فيها، إضافة لدعم الدول املطلة على البحر األحمر للتخلي عن القواعد البحرية املتفق عليها مـع إيـــران، وأخــيــرا تـأمـني املـاحـة فـي الطريق البحري املمتد من باب املندب إلى خليج السويس. مـا حــدث يومي األحــد واالثـنـني املاضيني خطوة دبلوماسية عماقة، فالسعودية تنتقل للخطوة اإلستراتيجية الثالثة عبر تأمني حديقتها الخلفية في املثلث الخطير املكون من إريتريا جيبوتي إثيوبيا، فالدول الـ3 هي باب األمن والسام أو باب الحرب والخراب في القرن األفريقي، فا إريتريا وال إثيوبيا كانتا على استعداد للجلوس على طاولة واحدة، وردم 4 عقود من العداء لوال تقديم الدبلوماسية السعودية الناعمة حلوال حقيقية بني الطرفني. نــحــن الــيــوم أمــــام ســعــوديــة جـــديـــدة، قــويــة جــســورة متوثبة، تستكني. تستوعب. تصبر. لكنها تستعيد املــبــادرة سريعا، وتعيد ترتيب نفسها واملنطقة وعاقاتها مع الخارج - العربي واإلسامي والدولي- بأسلوبها الخاص، وتفرض على الساحة الدولية قوانينها القائمة على االحترام املتبادل من دون تقديم تــنــازالت، وعــدم التدخل فـي سيادتها وال شؤونها الداخلية، مــع الـتـذكـيـر دائــمــا بـقـدرتـهـا عـلـى إعــــادة الـتـمـوضـع والتقدم «بضراوة» في أي موقف يستدعي مواقف صارمة، كما حصل مع أملانيا وكندا.