Okaz

«الشامليزيه» !

-

تحت ركــام آالم وأحـــزان ومعاناة سكان مخيم «الـزعـتـري» لالجئني السوريني بــاألردن، خرجت براعم أزهـار ابتسامات األطفال لتضفي ملسة من الجمال على وجه غطاه العبوس! كان األطفال في كل ناحية باملخيم ينثرون األمل بأصوات ضحكاتهم ووقع أقدامهم وهم يلعبون ويركضون وكأنهم يملكون كل مفاتيح السعادة، عقولهم الصغيرة لم تستوعب حجم املأساة، فآثرت أن تبقى في أحضان الطفولة ال يفصلها عن الواقع سـوى خيط رفيع أدركه األطفال فلم يتخطوه، أو لعلهم كانوا أكثر ذكاء من الكبار فحبسوا أنفسهم في عاملهم الطفولي الذي ال يتسع للكبار! عندما دلفت بنا سيارة مركز امللك سلمان لإلغاثة من البوابة الرئيسة إلى داخل املخيم شعرت بأنني أنتقل إلى عالم آخر، فألول مرة أجد نفسي داخـل أسـوار أحد مخيمات الالجئني، بعد أن كنت لعقود من الزمن ال أراها سوى في وسائل اإلعالم، ألالمس واقع معاناة الغربة والتشرد والحاجة، وأقسى ما في األمر أنها غربة قسرية، وتشرد لم يكن فيه خيار، وحاجة فرضها واقع أليم ال حول فيه وال قوة! وإذا كان األطفال بفرحهم الطفولي مثلوا لي أزهار أمل متفتحة في هــذا املخيم، فــإن الكبار بوجوههم العابسة الـتـي رسـمـت مالمحها املعاناة مثلوا لي أوراق خريف ذابلة متساقطة عجزت الرياح حتى عن أن تطير بها! أثناء السير داخـل املخيم ال يتوقف األطفال عن الترحيب بالغرباء واالختالط بهم، بينما يشعرك الكبار بأنهم مجرد أجساد متحركة عطلت مشاعرها، أو ربـمـا تـركـت خلف الــحــدود الـتـي جـــاءوا منها، وبينما تناثرت أحـيـاء املخيم التي تقاسمت مسؤولياته منظمات اإلغاثة الدولية خلف أسـوار شديدة الحراسة، كان الشارع التجاري الذي أسماه سكان الحي «الشامليزيه» داللة على أن الصلة بالعالم الخارجي، حتى ولو كان برمزية «الشانزليزي­ه» الباريسي، لم تنقطع، بل هي شريان األمل باستعادة الحياة والعودة لوطن يتذكرون أزهار بساتينه وضحكات كباره!

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia