هجوم األحواز... طباخ السم يذوقه

ما إن حدث الهجوم الذي استهدف عرضا عسكريا لتنظيم الحرس الثوري اإليراني، حتى راح نظام املالي يوزع االتهامات ذات اليمني وذات الشمال. بدأ باملوساد اإلسرائيلي ثم انتقل إلى االستخبارات األمريكية وأخيرا وصل إلى دول املنطقة ودول الخليج على وجه التحديد. تتجاهل إيــران عن عمد ما حـدث ويحدث في إقليم عربستان الواقع جنوب غرب الباد على شواطئ الخليج العربي، وهي تمارس سياسة التمييز العنصري ضد سكان هذا اإلقليم من الـعـرب. وتستخدم سياسات لتغييب الهوية العربية، وإذا ما حــدث أي اعــتــراض فــإن عـقـوبـة اإلعــــدام حــاضــرة فــي مواجهة املناضلني مــن أجــل حقوقهم. مــن يـبـذر الــشــوك يـجـن الجراح، ومــن يـبـذر الفتنة والطائفية والعرقية فـي دول املنطقة ومن يتدخل في شؤونها فابد أن تصله شظايا سياساته ويحصد حصيلة أفـعـالـه. ثـم يـخـرج عليك مـسـؤول إيــرانــي يتحدث عن كون الهجوم هجومًا إرهابيًا، أي إرهاب في ظل كل السياسات التي تنتهجها إيران في املنطقة من تأسيس مليليشيات ارتكبت مجازر يندى لها جبني اإلنسانية في سوريا وفي العراق، عن أي إرهاب وإيران جمعت املرتزقة من كل حدب وصوب ودفعت بهم إلى سوريا والعراق، أي إرهاب وإيران لم ترع في الشعبني السوري والعراقي وحتى في شعبها العربي إال وال ذمة. إيران آخر دولة في العالم يحق لها الحديث عن اإلرهاب واإلرهابيني، خصوصا بعد الوثائق األخيرة التي كشفت عنها وسائل إعام أمريكية أثبتت عـن الـصـات الـتـي تـربـط بـني منظمة الحرس الثوري اإلرهابية ومنظمة القاعدة اإلرهابية، وقد أشارت تلك الوثائق إلى تسهيل إيران لعناصر القاعدة املرور عبر أراضيها وقامت باستقبال عائاتهم، كما عرضت على القاعدة تدريب عناصرها في معسكرات تابعة للحرس الثوري في البقاع في لـبـنـان. وال نستغرب أن تكشف األيـــام والــســنــوات الـقـادمـة عن تغلغل استخباراتي إيراني في تنظيم داعـش اإلرهابي. ال بل إن هــذا األخـيـر لـم تسلم أي دولــة يستطيع الـوصـول إليها من شره فكان يضرب في جهات العالم األربع ومع ذلك لم يضرب إيــران وهـو الــذي كـان يدعي الـعـداء األيديولوجي لها. أمـا عن املنظمات التي تتبع مباشرة للولي الفقيه فحدث وال حرج، حزب الله وصل إلى عوملة نشاطاته اإلرهابية فهو موجود في كثير من الدول العربية ويدرب ويشارك في معارك اليمن ومن هناك يسعى للقيام بعمليات إرهابية في اململكة، وهو موجود في سوريا يبحث كما يدعي عن طريق القدس! ويرتكب الجرائم تلو الجرائم. وكذلك ميليشيات الحوثي اإلرهابية وميليشيات الحشد الشعبي، وكل أذرع إيران اإلرهابية. لقد أثبت الهجوم مـدى صبيانية نظام طـهـران فما إن حدث الهجوم وقبل أن تجف دماء الضحايا، وقبل إصدار األمر ببدء التحقيق حوله، راح قادة النظام يلقون التهم. في كل البلدان التي تحترم ذاتها وتحترم مواطنيها تبدأ التحقيقات ومن ثم تنتظر النتائج وبعد ذلك تصدر االتهامات، ولكن النظام اإليــرانــي يـريـد أن يستغل هــذا الــحــادث، ليس مـن أجــل تنفيذ تـهـديـداتـه الــجــوفــاء، خـصـوصـا أن الــنــظــام ال يــألــو جــهــدا في االعـتـداء على جيرانه عبر املنظمات اإلرهابية، ولكن النظام يريد أن يشد أواصر املجتمع اإليراني من خال افتعال صراع مــع عـــدو خـــارجـــي. إنـــه يـعـلـم أن األيــــام الــقــادمــة ســـوف تكون عصيبة عليه، والشعب اإليراني وعلى امتداد السنوات املاضية بــات يتململ مـن األوضـــاع االقتصادية والسياسية املتردية. والنظام يعلم أيضا أن فــرض الحزمة الثانية مـن العقوبات األمريكية سـوف تكون شديدة الـوطـأة. كل هـذا يجعل النظام يستعد ملــواجــهــة أوضــــاع لـيـسـت اعــتــيــاديــة. ويــريــد أن يقوي الجبهة الداخلية. وذلــك يكون أمضى عبر افتعال صــراع مع عدو خارجي. من حيث املبدأ ال يمكن الثقة بما يصدر عن النظام اإليراني، وبالتالي أيا كانت االتهامات التي سيصدرها فإنها ال تخرج عن البروبغندا املعتادة للنظام. وهو سيحاول أن يستفيد من الهجوم في تحقيق أهداف داخلية وخارجية. ومن املستبعد أن يحاول النظام معالجة األسباب التي أدت إلى تهيئة األجواء لحدوث مثل هكذا عمليات، ألن ذلك يستلزم تغييرا عميقا في سياسات النظام وهــذا يبدو مستبعدا بحكم طبيعة النظام الطائفية واأليديولوجية. على النظام إذا ما أراد أن يحافظ على استقراره أن ينصف أبناء شعبه عبر إعطاء أبناء األحواز العربية حقوقهم التي اغتصبها على مدى عقود طويلة، وأن يسعى إلى رفاه شعبه عبر إنفاق ثروة الشعب اإليراني لخدمته ولـيـس لـلـدخـول فــي مــعــارك وهـمـيـة ال نـاقـة للشعب اإليراني فيها وال جمل، وعلى النظام أن يفكك امليليشيات اإلرهابية الـتـي أسسها وأنــفــق عليها مــن قــوت شعبه وقـــام بتسليحها وتدريبها، وعلى النظام أن يبني حقيقة عاقات حسن الجوار مع كل دول املنطقة وليس ادعاءات كاذبة. وإذا لم يفعل النظام ذلـك وهـو لن يفعل، فـإن حالة الفوضى وعــدم االستقرار التي تلف املنطقة البد أن تصل إليه. ولعل هجوم األحواز هو بداية الحصاد، وفي كل هذا على النظام أن ال يلومن إال نفسه، فهو يـشـرب اآلن مــن نفس الــكــأس الـتـي لطاملا سقى منها شعوبا ومجتمعات أخرى.