نقاش شائك عن اجلامعات
الـحـديـث عــن الـجـامـعـات لدينا ال يـتـوقـف؛ ففي الصيف تتركز األنظار على عملية قبول الطلبة الجدد ويسخن النقاش تدريجيًا عن املشكالت املتعلقة بــه، وفــي نهاية كـل فصل دراســـي تكبر كــرة النقاش «الثلجية» عن الخريجني ومدى إمكانية حصولهم على فرص وظيفية في سـوق العمل، وبـني هـذه وتلك يكون الحديث عن التعيني املحلي واالستقطاب الخارجي وعن البرامج األكاديمية وعــن الـتـخـصـصـات الـقـائـمـة وعـالقـتـهـا بـاملـعـرفـة والتوظيف وخـدمـة املجتمع، بـاإلضـافـة إلــى أحـــداث عـرضـيـة. عمومًا أي نقاش عن الجامعات يستوجب نقاشًا جادًا ويستدعي التفكير خارج الصندوق في أحيان أخرى، فجزء من وظيفة الجامعة هو إشغال منظومة التفكير لدى الباحث واملتلقي. النقاش حول دور الجامعات وقيمتها ليس بالجديد بل قديم قدم الجامعات نفسها، وكثير من الدراسات انتهت إلى أنه ال توجد إجابة متوافق عليها، وعلى الرغم من ذلك إال أن هناك إجماعا عاما على أن الجامعات يجب أن تأخذ زمام املبادرة فــي فهم املجتمع وتــطــويــره، لكن أســـوأ مــا يمكن حــدوثــه هو أن يتحدث األغلبية بأهمية دور الجامعة وبوجوب ريادتها وقيادتها، بينما تكون الجامعات نفسها مكبلة إمــا بقيود تنظيمية ناجمة من اللوائح والتشريعات أو بمحددات فكرية نـاجـمـة مــن قـصـور مــهــاري لــدى بـعـض منسوبيها وتحديدًا اإلدارة العليا. ال شك أن الجامعات تعد جزءا أساسيا من عالم سريع التغير وعنصرًا فاعال في الفكر والتنوير والتغيير املجتمعي، وعلى املستوى الوطني تلعب دورًا جوهريًا في نجاح رؤيـة 2030 الـتـي علينا جميعًا -أفـــرادًا ومـؤسـسـات- املـشـاركـة واملساهمة بتحقيقها. لعله من املناسب طرح بعض األفكار واملالحظات التي على صانع القرار وراسم السياسات أن يتفحصها بشكل جيد حتى ال نجتر الـتـجـارب السابقة الـتـي وإن كنا ال ننكر نجاحها جزئيًا في تحقيق أهداف معينة - فرعية غالبًا، إال أنه كان باإلمكان تجاوز كثير من السلبيات والعوائق التي فشلت بتجاوزها أو ربما خلقتها مـن غير قصد، فالهدف األسمى هنا هو تعظيم النواتج املتحصل عليها. مــن املــتــوقــع أن يـتـضـمـن الــنــظــام الــجــديــد لـلـجـامـعـات بعضا مـن االستقاللية للجامعات وال شـك أن االستقاللية والحرية األكاديمية ضرورية في مسيرة املعرفة األصيلة لكن من الخطأ املراهنة عليهما لوحدهما في تغيير حال الجامعات لدينا؛ فاالستقاللية والحرية األكاديمية ال يمكن أن تكونا بمعزل عن السياق البيئي والعقلية اإلداريــة ملن يتسنم دفـة القيادة بالجامعات. فال يمكن لقائد مؤسسة تعليم عال يجهل تحديات العوملة، والرقمنة والتعددية واالستدامة والثورة الصناعية الرابعة أو -في أسوأ األحوال يتجاهلها- أن يساهم في االرتقاء بمؤسسته التعليمية، حتى وإن حـاول أن يطعم تصريحاته ببعض مصطلحاتها. ولعل من الـواضـح أن التفاوت الكبير في استيعاب هذه التحديات ومن ثم االستجابة لها ال يرجع فقط إلى سمات الجامعة ذاتها -من ناحية تاريخها ومواردها وموقعها- بل إلى سمات القائد نفسه وتقاليد الجامعة ذاتها ولعل التعددية من أبرزها. كثيرا ما نجد جامعات يغلب على عملها الطابع الفردي بدال من العمل املؤسسي، حيث تكون التشاركية في وضع الخطط ورسم اإلستراتيجيات في أضيق الحدود، وقد ال تعدو كونها انتقائية وموجهة حتى وإن تمت زخرفتها إعالميًا، وغالبًا ما يرتكز املدير الهش فكريًا على عالقات عامة عالية أو حماية متنفذ ليواري القصور في امللكة اإلدارية لديه، فسلم األولويات متعرج جدًا. وغــالــبــًا مــا نـجـد جــامــعــات يــكــون بـهـا الـتـركـيـز عـلـى الجانب