بطالة األطباء السعوديني هدر لالقتصاد
الـتـعـلـيـم والــصــحــة يـحـظـيـان بــأكــبــر دعـــم مالي ومعنوي من القيادة السعودية، ونصت عليها الـرؤيـة املستقبلية وتـم اعتماد أكبر امليزانيات لتطوير هذين القطاعني، وللحقيقة نلمس تـطـورا فـي جميع الـخـطـط واملــشــاريــع التعليمية الـحـكـومـيـة واألهــلــيــة، وهناك اهـتـمـام كبير بــجــودة التعليم وإعــطــاء هــذا املــوضــوع أولوية لتحسني مخرجات التعليم وهي األساس. أمـا قطاع الصحة ولألسف الشديد لم يحظ بإنجازات كبيرة من قبل الوزارة املعنية، وفي املاضي اهتمت الوزارة بخريجي كليات الطب من داخل اململكة وخارجها من الشباب السعودي وقــد تبنت الـــــوزارة آنــــذاك مـوافـقـة ملكية عـلـى ضــمــان وظيفة لكل طبيب سعودي حديث التخرج، وهذا زرع الطمأنينة لدى األطــبــاء حـديـثـي الـتـخـرج أو الطلبة عـلـى مـقـاعـد الــدراســة في كليات الطب أو الراغبني بدخول كليات الطب، وهـي الكليات األصعب في الدراسة. وبالفعل زاد عــدد األطــبــاء الـسـعـوديـني خريجي كليات الطب الـبـشـري وأطــبــاء األســنــان مـن داخــل اململكة وخـارجـهـا، إال أنه ولألسف تغير التوجه وتوقفت قــرارات التوظيف لكل خريج، وتــوقــفــت ســيــاســة صــــرف راتـــــب شـــهـــري لــكــل طــبــيــب متخرج متدرب يعمل في أحد املستشفيات الحكومية، حتى وصل عدد األطباء العاملني في وزارة الصحة إلى حوالى )27.500( منهم )11.172( طبيبا سعوديا في وزارة الصحة حسب إحصائيات الـــــــوزارة فـــي الـــعـــام املـــاضـــي، ووصــــل عــــدد األطـــبـــاء العاطلني عــن الـعـمـل والـبـاحـثـني عـنـه واملـصـنـفـني مهنيا مــن قـبـل هيئة التخصصات الصحية واملسجلني في قاعدة (طاقات) و(جدارة) وحسب البيانات املتاحة إلى حوالى )5723( طبيبا معه شهادة بكالوريوس، )72(و طبيبا حاصال على شهادة في الدراسات الـعـلـيـا، بــاإلضــافــة إلـــى أن الـتـوقـعـات مــن هـيـئـة التخصصات الصحية تشير إلى أنه سيتخرج حوالى )1144( طالبا حاصال على درجة البكالوريوس في الطب البشري من الخارج في هذا العام، ويتوقع أن يتخرج هذا العام من الجامعات الحكومية والخاصة حوالى )3210( من كليات الطب السعودية ولألسف الشديد سيصل عــدد األطـبـاء بــدون عمل حـوالـى العشرة آالف طبيب عــام وأســنــان، حـيـث يبلغ عــدد مـمـارسـي طــب األسنان فــي املـمـلـكـة حــوالــى 10 آالف طــبــيــب، اليــتــجــاوزعــدد األطباء السعوديني منهم نسبة %25 أي نحو 2500 طبيب سعودي فقط، وهــذا يؤكد أن هناك خلال في سياسة وزارة الصحة في التوظيف والتدريب لألطباء حديثي التخرج، وأجــزم أن هذه القضية تمثل صورة حقيقية للهدر في اقتصاد الدولة، حيث تــصــرف الـــدولـــة الــبــاليــني فــي تـعـلـيـم أبــنــائــهــا الـطـلـبـة داخليا وخــارجــيــا وعــلــى وجـــه الــخــصــوص طـلـبـة الــطــب، وهـــم األعلى تكلفة، ويعاني طلبة الطب أكبر الصعوبات حتى يتم تخرجهم وتصل فترة انتظارهم للتعيني إلى أربع وخمس سنوات، وهي قضية أساسية وخطيرة تزداد سنويا بزيادة أعداد الخريجني من األطباء. وهذا يؤكد فشل الخطط في وزارة الصحة الستيعاب الخريجني في املستشفيات واملراكز الصحية الحكومية، ويؤكد أن هناك خلال في سياسات وخطط التوظيف. إن ارتــفــاع نـسـب الـبـطـالـة فــي األطــبــاء، ســـواء األطــبــاء العامني أو أطباء األسـنـان حديثي التخرج تعتبر مؤشرا خطيرا جدا فــي ســوق الـعـمـل، وإن إغــفــال هــذه الـحـقـائـق يعتبر كــارثــة في حـق الـوطـن، متمنيا على القيادة حفظها الله فتح هــذا امللف والتحقيق في األسباب ومساء لة املتسببني في تفاقم املشكلة. ولألسف هناك ردود غير مقنعة من كبار املسؤولني في وزارة الصحة بأنهم ال خبرة لهم، والسؤال كيف تكتسب الخبرة إذا لـم تتح الـفـرصـة للتدريب، وكـنـت أتـوقـع أن يـدافـع املسؤولون في وزارة الصحة إلعـادة قــرارات التوظيف املباشر للخريجني والذي توقف بدون سبب عادل. وأطالب اليوم بإعادة العقود الذاتية (اللوكم) لألطباء حديثي التخرج. وأقـــتـــرح ضــــرورة بــنــاء (أطـــبـــاء الــعــائــلــة) وهـــو تـخـصـص مهم جــدا ويستوعب اآلالف مـن الخريجني، وهــو تخصص يعتبر األســاس في تقديم الرعاية الصحية للمواطنني ومطلوب في جميع مناطق اململكة، حيث يطلب من املرضى بالتوجه أوال إلى (أطباء العائلة) ثم يتم التحويل لألخصائيني مما يساهم في تخفيف الضغط على األطباء األخصائيني واالستشاريني، ويفترض أن يكون في كل حي من أحياء املدن مركز صحي به على األقل اثنان إلى ثالثة أطباء عائلة. إن دول العالم املتقدم تهتم بتخصص (طـب العائلة) إلـى حد كبير حيث تصل نسبته إلى %50 من عدد األطباء في بريطانيا، و %45 فــي كــنــدا، %40و فــي إسـبـانـيـا، أمــا فــي اململكة فكشفت دراسة عن أن نسبة أطباء العائلة ال تزيد على %4-3 من مجموع األطــبــاء ومعظمهم مــن األطــبــاء األجــانــب والـــذي يصعب على املرضى التعامل معهم بسبب اختالف اللغة في معظم األحيان، مما يشير إلـى وجــود فجوة كبيرة فـي تخصص طـب العائلة في اململكة وقد يعود السبب في ذلك إلى عدم وجود عدد كاف من كليات الطب لتخريج أطباء بتخصص (طب العائلة) وعدم وجود برامج دراسات عليا في هذا التخصص. كــمــا اقــتــرح إنــشــاء مــراكــز متخصصة لــألطــبــاء االستشاريني السعوديني املتميزين لدعمهم في عملهم املهني اإلنساني مع ضمان عدم انشغالهم باألعمال اإلدارية كما هو في املستشفيات الخاصة أو الحكومية. إن تضاعف أعداد األطباء العاطلني عن العمل أكبر مؤشر على فشل وزارة الصحة، حتى لو كانت إمكانياتهم ضعيفة، لكن كان ينبغي عليهم توضيح الصورة الحقيقية للقيادة التي لم ولن تتأخر في معالجة هذه القضية.