Okaz

انسحاب أمريكا من النووي: أبرز التداعيات..!

- د. صدقة يحيى فاضل * sfadil50@hotmail.com

سبق أن قلنا إن هـنـاك، عقب انـسـحـاب أمـريـكـا من االتــفــا­ق الــنــووي مــع إيــــران، عـــدة «سيناريوهات» اختصرناها كما يلي: )1( بقاء الدول الخمس األخرى في االتفاق، والتزام إيران ببنوده، وتعايش إيران – في املدى الطويل – مع العقوبات، واكتفاء أمريكا بالعقوبات االقـتـصـا­ديـة. وهـنـا نتوقع تأجيال فـي امـتـالك إيران للقنبلة. )2( بقاء الدول الخمس األخرى، واستمرار التزام إيران بهذا االتفاق، واحتمال انهيار النظام اإليراني، بسبب العقوبات والضغوطات، وربما الهجمات األمريكية - اإلسرائيلي­ة. ولو حصل هذا، فسيكون بعد حرب طاحنة ضروس. يعقبها قيام نظام سياسي جديد في إيران، غالبا ما لن يتخلى - طوعا - عن الخيار النووي الذى أمسى هاجسا وحلما إيرانيا، منذ عهد الشاه. )3( انسحاب بعض أو كل الدول الخمس األخرى، وانهيار االتفاق تــمــامــ­ا، ونــجــاح إيــــران فــي مــحــاوال­تــهــا الــتــعــ­ايــش مــع العقوبات األمريكية والدولية، واملسارعة بامتالك القنبلة.. لتفاوض املجتمع الــدولــي بـعـد ذلــك مــن مـوقـف أقـــوى. وهــنــا، يـتـوقـع حـصـول إيران عـلـى الـقـنـبـل­ـة فــي أقــــرب فــرصــة مـمـكـنـة، عـبـر تـكـثـيـف تخصيبها لليورانيوم. )4( قــبــول إيــــران بـــإعـــا­دة الــتــفــ­اوض بــشــأن بـرنـامـجـ­يـهـا النووي والــصــار­وخــي فــقــط، ومــوافــق­ــة أمــريــكـ­ـا واكــتــفـ­ـاؤهــا بــذلــك، والرفع التدريجي للعقوبات األمريكية والـدولـيـ­ة، والــوصــو­ل إلــى اتفاق جديد، أكثر صرامة وأمانا. (وليته يتوج باتفاقية دولية شاملة لنزع السالح النووي من كامل املنطقة، لتصبح خالية من األسلحة النووية). )5( قبول إيـران بشروط ترمب (الـــ21 شرطا التي أعلنها بومبيو وزيـــر الـخـارجـي­ـة األمــريــ­كــي) وصـيـاغـة اتــفــاق جــديــد. ولـكـن إيران رفضت بشدة هذا الخيار. ومع ذلك، يعتبره البعض احتماال واردا، إن تصاعدت العقوبات. ولكنه أقل االحتماالت ورودا. )6( انـهـيـار االتــفــا­ق، ومـسـارعـة إيـــران بـامـتـالك القنبلة.. وهجوم أمريكا وإسـرائـيـ­ل على إيـــران ومنشآتها الـنـوويـة. وبـقـاء النظام اإليراني، ورده بضربات غير تقليدية على مهاجميه.

*** تلك هي أهم ستة احتماالت، ومضمون معظمها مفزع، بالنسبة ألمن واستقرار املنطقة. وكما هو واضح، فإن السيناريو رقم 4 هو ربما «األفضل» لكل األطراف املعنية – إن قبلته إيران. ولكن الواقع الفعلي لسياسات القوى املؤثرة (خاصة أمريكا وإسرائيل) يرجح حصول االحتمال الثاني. وهــــذا، إن حـصـل بـالـفـعـل، يعني أن هــذه املـنـطـقـ­ة ستشهد كارثة جـديـدة، هـي األســـوأ، منذ عاصفة الـصـحـراء. واألمـــر، بعد مشيئة الــلــه، فــي يــد قـــادة أمــريــكـ­ـا وإســرائــ­يــل وإيـــــرا­ن. وهــــؤالء يتصفون بالتشدد واالنــدفـ­ـاع. قــادة إيــران الحاليون ليس لديهم مانع في تدمير بـالد من أجـل نشر معتقداتهم ونفوذهم. وزعيم إسرائيل اإلرهابي الكذوب ال يتردد في ضرب فتى يرمي بالحجارة بقنبلة مــن طــائــرة ف – .16 أمــا دونــالــد تــرمــب، وهــو أقـــوى قـــادة العالم وأكثرهم نفوذا، وبيده معظم أوراق هـذه اللعبة، وأغلب األلعاب التي تجرى باملنطقة، فـإن تحليل شخصيته وميوله، وتذكر ما قاله مؤخرا في خطابه أمام الجمعية العامة لألمم املتحدة، يجعل توقع الكارثة اإلقليمية أقــرب للحصول. فكل ذلــك يؤكد احتمال حصول السيناريو الثاني، وكونه، حتى تاريخه، األكثر ورودا.

*** لقد أيدت دول مجلس التعاون الخليجي، في البدء، إبرام االتفاق النووي بني إيران والقوى الدولية الكبرى الست، شريطة أن «يضمن عدم امتالك إيران للسالح النووي»، كما جاء في أغلب بيانات هذه الــدول، التي صــدرت فـور التوصل إلـى االتـفـاق. ومـعـروف أن هذه الدول هي من أكثر دول العالم معارضة إليران نووية، خاصة بعد ما شهدته من سياسات إيران التوسعية العدوانية باملنطقة. تلك السياسات التي أخذت إيران تتبعها في املنطقة منذ ثالثة عقود، والتي أهـم وسائلها: التدخل في الشؤون الداخلية لـدول الجوار الــعــربـ­ـيــة، ودعــــم بـعـض األقــلــي­ــات فــي هـــذه الـــــدول، لتمكينها من السيطرة على غالبية شعوب البالد املعنية، والعمل لحساب إيران. فلخشية هذه الدول ولحذرها ما يبرره. وبعد مجيء إدارة دونالد ترمب، بـدأ هـذا الرئيس يشكك في جـدوى إبــرام هـذا االتـفـاق، كما أبرم بالفعل من قبل إدارة الرئيس األمريكي السابق باراك أوباما، مطالبا بتشديد الرقابة الدولية على إيـــران، حتى ال تستغل أي ثغرة المتالك السالح النووي. وتمخض عن هذا التشكيك انسحاب أمريكا من االتفاق، وبقاؤه بصيغة )4 + 1(حتى إشعار آخر. ونظرا لتزايد شكوك أغلب الـدول الخليجية حول نوايا إيـران السياسية والعسكرية، أعربت هذه الدول عن تأييدها لخطوة الرئيس ترمب، وأعلنت دعمها لتشدده فـي هــذه القضية، مطالبة بــإبــرام اتفاق أكثر صرامة وإحكاما، ويشمل وقف تطوير الصواريخ الباليستية اإليرانية، وضرورة قبول إيران باملطالب الـ21 التي تطالب أمريكا إيــــران بــااللــت­ــزام بــهــا، ومـنـهـا وقــف الــتــدخـ­ـالت اإليــرانـ­ـيــة فــي دول الجوار، واالنسحاب من سورية. وهذا التشدد األمريكي أعطى هذه الدول شيئا من االطمئنان األمني. لذلك، باركته ودعمته. ولكن، ما زالــت إيــران ترفض املطالب األمريكية. فشرعت أمريكا بإعادة املقاطعة االقتصادية ضد إيران وتشديدها. األمر الذي قد يقود إلـى اشتعال الحرب باملنطقة وقفل مضيق هرمز، ويجعل االحتمال الثاني أمرا واقعا. املقاطعة االقتصادية تضر بانسياب التجارة اإلقليمية في منطقة الخليج انسيابا طبيعيا سلسا. ولكن األدهى أن الحرب إذا اشتعلت – ال قدر الله – قد تكون كارثية على هذه الدول، وقد تنزل بهم، أو ببعضهم، أضرارا فادحة، خاصة في البنى التحتية واملنشآت البترولية، ألن بالدهم، ببساطة، هي جزء - يصعب أن يتجزأ - من ساحة هذه الحرب الشرسة املتوقعة. من هنا تأتي أهمية، وضرورة، تفعيل الحل الدبلوماسي والسياسي، ما أمكن. * كاتب سعودي

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia