بعد أن ظلمها مدّونو التراث اإلسالمي

هل تنصف «اليونسكو» قرية رجال أملع التراثية؟

ال حديث في عسير يعلو اليوم فوق حديث اليونسكو، وال اسم فيها يتجاوز اسم قرية رجـال أملع التراثية التي تستعد للتسجيل في قائمة التراث العاملي باليونسكو، إذ بدأت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني العمل على امللف القادم وهـو ملف موقع رجــال أملـع بمنطقة عسير، وسلمت امللف ملركز التراث العاملي في اليونسكو. ورغم النسيان الذي طال هذه البلدة مع غيرها من قبل مدوني الـتـراث اإلسـامـي في مقابل التركيز على الحواضر الكبرى مثل مدن اليمن والـحـجـاز إال أن تتبع هــذا الغياب كــان هـاجـس الباحث «محمد حسن غريب»، فكلما رأى ذكرًا لرجال أملع أو لبلدة رجال في مصدر مطبوع أو مخطوط ازدادت رغبته بمعرفة املزيد عنها والتي تعد جزءًا صغيرًا من محافظة كبيرة لم تكن تعرف فيما تصرم من السنني إال بأملع غير مسبوقة بـ (رجــال) وبمثل هذا أشار الهمداني في القرن الرابع الهجري وعدها من املجاورين لعسير، إذ قال: باطنها في التهمة أملع! وقد ألبسها الشيخ حمد الجاسر (رحمه الله) حلة الشعر، فذكر أن من شعرائها قديمًا جثامة بن زهير بن ذيب وأخاه نافع، وأضاف لها التاريخ اإلسامي بعدًا آخر، فأشار إليها في تجهيز الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) جيوش املسلمني لحرب القادسية، إذ شاركت قبائل أملع في تلك املعركة. وتشير أغلب املصادر كالطبري وغيره إلى أن سعد بن أبي وقـاص خرج من املدينة قاصدًا العراق في 4 آالف ممن قدم عليه من اليمن والسراة وهم بارق وأملع وغامد، وقيل قدم عليه عرفجة بن هرمة البارقي ومعه 700 غاز من األزديني وعدد من بارق وأملـع، حيث أرسلوا إلى جبهة العراق، وقيل شـارك فيها عدد من عشائر بارق وأملع وفي مقدمتهم حميضة البارقي. ويؤكد الباحث محمد غريب أن مسمى رجال أملع جاء متأخرًا للغاية ربما بعد القرن العاشر الهجري، وتفيد اإلشارات التاريخية أن رجال أملع كانت منذ القدم فرعًا من فروع قبيلة عسير وأنها شاركت مع إخوتها عسير السراة في جميع الغزوات التي خاضتها داخل املنطقة وخارجها منذ بداية القرن الثالث عشر الهجري وما قبله بكثير.

موقع رجال أملع اجلغرافي

تقع محافظة رجال أملع في سفوح الجبال الغربية لعسير السراة وليست أراضيها سهلية ولكنها جبلية تتخللها أوديـة خصبة التربة، وجبالها مكسوة باألشجار بمختلف أنواعها، يحدها من الجنوب درب بني شعبة ومن الشمال آل موسى وبني ثوعة ومن الشرق عسير السراة ومن الغرب قبائل املنجحة وبني هال وبحر أبو سكينة. تـقـع بــلــدة رجــــال (بــضــم الــــراء) فــي رجـــال أملــع إلــى الــغــرب مــن أبــهــا ضمن انحدارات سلسلة جبال السراة، وتعد جبالها من الجبال السفحية املرتبطة أساسًا بمرتفعات جبال عسير فيما يعرف بأغوار تهامة وعلى مسافة تقدر بنحو 40 كيلومترا، وتسمى هذه السلسلة حسب اصطاح السكان قديمًا بـ «ساق الغراب» و«العارض» و«املنقاد» و«األعراض»، وتعني في اللغة ما ظهر وأشـــرف، وفــي هــذه املـنـحـدرات غــرب رجــال أملــع وبــني أحـضـان أودية عـدة تجثم بلدة رجــال العريقة بتاريخها وتراثها وتجارتها وثقافتها، فترى أحياءها الكثيرة قد توزعت على سفوح الجبال وجاهم األودية وانتظمت دكاكينها فـي الساحات واملــمــرات وعلى جوانب األوديـــة وارتـفـعـت قصورها لتعانق السحاب في إباء وشمم. وكـمـا يـقـول الـبـاحـث غـريـب فــإن طبيعة أرضها ضيقة لكونها محاطة بجبال ذات ارتــفــاعــات شـاهـقـة ومنحدرات عميقة مع انعدام األرض املستوية، وقد وصف موقعها قديمًا بأنه كان غابة ومياهًا جارية. وقـــد أشـــار إلـيـهـا مـحـمـد عـمـر رفيع فـــي كــتــابــه «فــــي ربـــــوع عــســيــر» فذكر أن رجــــال عـلـى وزن غــــراب وأنـــه وجدها هــكــذا مـضـبـوطـة فــي رســالــة نــفــح الــعــود في سيرة الشريف حمود للحسن بن أحمد بن عبدالله البهكلي، وهـو ما صححه املــؤرخ غريب بقوله إن اسمه نفح العود في سيرة دولة الشريف حمود للعامة الشيخ عبدالرحمن بن أحمد البهكلي وقــد طبعته دارة امللك عبدالعزيز عــام 1402 بـدراسـة وتحقيق وتعليق الشيخ محمد بن أحمد العقيلي. تحد من الشرق بجبل املـرواح ومن الغرب بجبل الشرقي ومجرى وادي البيح ومــن الشمال بجبل فقوة ومــن الجنوب بجبل الــعــودة، وتنسب قرية رجــال إلى رجـال بن عدي بن الصيق بن عمرو، وهــو فــي األصـــل مــن أســـاف آل ســعــدان الذين من عقبه آل جعيدة من حفدة الصيق بن عمرو بن عامر.

أساطير قرية ُرجال

مـــن أطـــــرف األســـاطـــيـــر املــــدونــــة عن تـــاريـــخ تــأســيــس هــــذه الـــقـــريـــة التي أصبحت تراثية الـيـوم ونشأتها أنها اســتــوطــنــت بـــدايـــة الـــقـــرن الــــحــــادي عشر الــهــجــري بــــإشــــارة مـــن الــخــضــر بـــن العباس، وهــذا مـا ينفيه الـبـاحـث فـي تـاريـخ الـقـريـة «غريب»، إذ يـراهـا قصة موضوعة وليس بينها وبــني الحقيقة والواقع أيــة صـلـة أو نـسـب، لكنه يـؤكـد أن شــواهــد الـفـعـل الــحــضــاري مــن مـبـان وطرق وحاميات ومـدرجـات زراعية وآبــار ومقابر مكتظة بساكينها تعد دالئـل على قدم االستيطان واالستقرار البشري في هذه البلدة. الباحث محمد غريب متحدثا لـ«عكاظ».

قصور القرية التراثية

تــعــد قـــصـــور قـــريـــة رجــــــال شـــاهـــدًا حــيــًا عــلــى حضارة مــعــمــاريــة مـتـقـدمـة مــن خـــال مــا تـمـثـلـه تــلــك القصور املــتــعــددة الــطــوابــق الــتــي يـصـل بعضها إلـــى 6 أدوار، وهذا لم يكن شائعا في أنماط البناء القديم في منطقة عسير، ويعود ذلك لضيق املكان وانحداره، ما كان سببا في زيادة األدوار. ومما يذكره الباحث غريب أن سكان البلدة إذا اعتزموا بناء قصورهم حشدوا لألمر عدته واستعانوا بآالته وحــددوا مقالع حجارتهم ومصادر مـائـهـم وطـيـنـهـم وخـشـبـهـم، ورتــبــوا مـعـايـش عمالهم ونومهم وشرابهم ثم جاء وا بعد ذلك بأصحاب الصنائع الحاذقني من بنائني ونجارين، حيث كان أصحاب تلك الـقـصـور يعتمدون فــي بنائها على املـقـالـع الحجرية املتوفرة في الجبال املحيطة بالبلدة التي يطلقون على الـواحـد منها (منظى) التي تـم بناؤها على معطيات البيئة الطبيعية من طني وأحجار وأخشاب ومياه، كما حرصوا على أن تكون جدرانها عريضة تصل أحيانًا إلى ما فوق املتر، ولهذا صمدت أمام التغيرات املناخية مـئـات السنني، وقــد روعــي فـي قـصـور البلدة متانة البناء ودقـتـه وماءمته لطبيعة املناخ السائد في املنطقة بكل ظروفه وخصائصه، وكانوا يحرصون على تدوين الوقت الـذي يتم فيه بناء قصورهم واملبالغ التي أنفقوها على بنيانها كقصري مسمار والــريــاض، إضــافــة إلــى تــدويــن الــزمــن الــذي قاموا فيه بترميم مساكنهم وما صرفوه عليها من أمـوال. ومن قصور البلدة ذات القدم قصر السباع وقصر معجب وقصر حاكم والدرعية وقصر أملع وقصر رازح وقصر مشرف الــذي سمي نسبة ملوقعه الــذي يشرف على سـوق البلدة وقـصـورهـا وأحيائها الغربية والجنوبية، وكـذلـك قصر معشي والرياض، وبفضل تلك القصور واآلثار أضحت قرية رجال أملع التراثية قاب قوسني أو أدنى من االنضمام للتراث العاملي في اليونسكو.

القصور التراثية في قرية رجال ألمع. تتميز قصور البلدة بمتانة البناء ودقته ومالءمته لطبيعة المناخ.