أملانيا فهمت الدرس فهل تفعلها كندا ؟
على امتداد األيام املاضية بلغت الدبلوماسية الــســعــوديــة ذروة نــشــاطــهــا، مـــن زيـــــارة مهمة لألمير محمد بن سلمان إلـى الكويت، وتأتي هذه ضمن دوائـر السياسة واالهتمام السعودي الـذي يبدأ خليجيا في إطار بناء عالقات األخوة والتعاون والتنسيق املـسـتـمـر بــني األشــقــاء فــي مـجـلـس الــتــعــاون الـخـلـيـجـي. أما الــدائــرة األخــرى األوســع فهي الــدائــرة العربية، حيث كانت وال تزال وستبقى اململكة السند لكل القضايا العربية وفي القلب منها القضية الفلسطينية، ســواء كـان دعما مباشرا أو عــبــر املــحــافــل الــدولــيــة. ثــم اســتــضــافــة املـمـلـكـة لزعيمي إثيوبيا وإريـتـريـا وتحقيق مصالحة لطاملا أرقــت منطقة القرن األفريقي برمتها. وأخيرا كانت املشاركة الفعالة لوفد اململكة العربية السعودية في اجتماعات الجمعية العامة لــألمــم املــتــحــدة. فـــي حــديــث مــعــالــي الـــوزيـــر عــــادل الجبير لوسائل اإلعالم كان شديد الوضوح في ما يتعلق بسياسة اململكة الخارجية وخصوصا في امللفات الرئيسية، ولعل امللف الذي كان يتم استغالله من قبل الدول املعادية للمملكة ملمارسة البروبرغندا اإلعالمية هو امللف اليمني، فقد أشار الجبير إلـى أن اململكة ال يمكن أن تفرط في أمنها القومي وال يمكن أن تسمح إليران عبر منظمة إرهابية هي جماعة الحوثي السيطرة على ممر من أهـم طـرق املالحة البحرية ولــن يــكــون الـيـمـن منصة لـنـفـوذ إيــرانــي فــي خــاصــرة شبه الجزيرة العربية وتهديدا لألمن القومي العربي. ولــكــن الــالفــت لـلـنـظـر كـــان الــلــقــاء الــــذي جـــرى عــلــى هامش اجــتــمــاعــات الـجـمـعـيـة الــعــامــة لــألمــم املــتــحــدة بـــني الوزير الجبير ووزير الخارجية األملاني هايكو ماس، وذلك بعيد صـــدور بــيــان عــن وزارة الــخــارجــيــة األملــانــيــة وتصريحات للوزير تشير إلـى رغبة أملانية في تجاوز املرحلة السابقة وأسفها لسوء التفاهم الذي نشأ بني الطرفني. من جهته عبر وزيــر الخارجية السعودي األسـتـاذ عــادل الجبير عن عمق العالقات بني البلدين الصديقني، كما دعا وزير الخارجية األملاني لزيارة الرياض في أقرب فترة ممكنة. مما ال شك فيه أن الدولتني تدركان أهمية بعضهما البعض، وخصوصا من الجانب األملاني، أملانيا بحاجة إلى عالقات اقتصادية متميزة مع اململكة العربية السعودية، خصوصا مع تدهور العالقات مع الحليف األمريكي، وأيضا اإلصالحات الكبيرة الـتـي طـالـت الفلسفة االقـتـصـاديـة الـسـعـوديـة خــالل الفترة املاضية. ومشروع رؤية ،2030 والذي يعد بمجاالت واسعة لالستثمار، وهــذا بالتأكيد يغري برلني باعتبارها القوة االقتصادية األكبر على صعيد القارة األوروبية. لكن األمر ال يتوقف على العوامل االقتصادية ولكن يتجاوز ذلك إلى دور سياسي وإستراتيجي. اململكة العربية السعودية هي قلب العالم العربي واإلسالمي وهـي مهوى أفئدة مليار ونصف املليار مسلم. لديها قوة ناعمة هـائـلـة، ومهما حــاول الـخـصـوم أن يــؤثــروا فـي هذه الــقــوة أو يـشـوهـوهـا فـإنـهـا هـبـة الــلــه، لــذلــك فـــإن مــن يعزل نفسه عـن اململكة العربية السعودية فـإنـه يـعـزل نفسه عن مجمل قـضـايـا املـنـطـقـة، وخـصـوصـا فــي هــذه الـفـتـرة حتى تتعقد األزمات في منطقة الشرق األوسط برمتها. من إيران وملفها النووي شرقا إلى ليبيا وصراعها املستمر، مرورا بالوضع الهش في العراق ووجـود تنظيمات إرهابية، إلى حالة ضبابية تلف املشهد السوري، إلى صـراع مسلح ضد ميليشيات الحوثي اإلرهابية، كل هذه القضايا ال يستطيع أي طرف أن يؤثر فيها دون املرور بالرياض. وبالتالي وجدت أملانيا خالل الشهور املاضية بأنها أقصيت عن مجمل تلك القضايا. إال أن األهــم مـن ذلــك هـو ترسيخ اململكة العربية الــســعــوديــة مــبــدأ كـــان يـفـتـرض أن يــكــون أســاســا للعالقات الــدولــيــة بـرمـتـهـا، وهـــذا مــا تــم االتــفــاق عليه مـنـذ تأسيس عصبة األمـــم، أال وهــو عــدم الـتـدخـل فــي الــشــؤون الداخلية للدول األخــرى. الدولة الحديثة في توصيفاتها هي قطعة أرض لها حدود معترف بها، وتحكمها سلطة وحكومة هي تعبير عن شعبها، وهـذه الحكومة وهـذه السلطة هي التي تمتلك السيادة على أراضيها. ومـن هنا مبدأ السيادة هو مبدأ قار في املعاهدات الدولية وفي املواثيق املؤسسة لألمم املتحدة. وعندما تجاوزت أملانيا هذا املبدأ فإنها تجاوزت مـــبـــدأ أســـاســـيـــا مـــن مـــبـــدأ الـــعـــالقـــات الـــدولـــيـــة وخصوصا لــدى اململكة العربية الـسـعـوديـة. وســـواء أملانيا أو كـنـدا لم يكونا يهدفان إلى توجيه النصح أو الحرص على مبادئ يزعمانها ولكن التصريحات من خالل وسائل اإلعالم الهدف منها هو اإلســاءة قبل أي شـيء آخـر. ذهبت حكومة أملانية وجاءت أخرى وتغيرت املوازين في برلني، ومن هنا أدركت الطبقة السياسية أن تصرفاتها الخرقاء وتصريحاتها غير املسؤولة لم تؤد إلى شيء سوى دخول أملانيا في معارك ال طائل منها. أخيرا أدركت الحكومة األملانية أنها ابتعدت عن جادة الصواب في العالقة مع اململكة، وأدركت أيضا أنها ال بد أن تعود إلى جادة الصواب وتحترم خصوصية اململكة وسيادتها، وهذا ما يفتح املجال واسعا لعالقات تعاون بني الطرفني بما يعود بالفائدة على الشعبني الصديقني. هكذا فعلت أملانيا ولكن هناك دولة أخرى حاولت التدخل فــي الــشــؤون الــداخــلــيــة للمملكة ونــحــن نـتـحـدث عــن كندا. ومرة أخرى العالقات بني الطرفني مهمة للغاية، ألن كليهما عضوان في مجموعة العشرين، وألن التبادل االقتصادي مهم للطرفني. ولكن التدخل السافر فـي الـشـؤون الداخلية وتصريحات غير مسؤولة مـن مسؤولني كنديني عقد تلك الــعــالقــات، فـهـل تفعلها كــنــدا وتــحــذو حــذو أملــانــيــا. بعض املؤشرات تؤكد سعي كندا إلى وساطة بعض األطراف، ولكن اململكة أوضحت بما ال يدع مجاال للشك أن الطريق لعالقات قائمة على املصالح واالحترام املتبادل واضح للغاية، ولعل املثال األوضح هو ما حدث بني برلني والرياض.