متستر «وعينه قارحة»!
فـــي عــــام 1989 ادعـــــى كـــاهـــن روســـــي أنه يستطيع إيــقــاف قــطــار شـحـن باستخدام اإليحاء فقط، وعندما وصل القطار دهسه ولــم يبق عليه وأكـمـل رحـلـتـه، ذلــك مـا يـحـدث اآلن مع مـوجـة الـلـقـطـات الـتـائـهـة والـسـيـل املنهمر مــن الصور املـتـداولـة لـأسـواق القديمة املغلقة وســط البلد، تمرد سـلـبـي، وجــهــود طـائـشـة مــن «مـتـسـتـريـن» وجــــدوا في وسائل التواصل االجتماعي غايتهم، في حبك وصناعة األخــــبــــار املــضــلــلــة، جــعــلــوا الـــصـــور تـــكـــذب وتتجمل وتـقـلـب الـحـقـائـق وتــشــوه الحقيقة والـــواقـــع، والواقع املــروع الحزين، أن املـزوريـن هم املنتفعون من ترويج أن ما يحدث كارثة اقتصادية، وسقطة في سوق املال واألعمال، والحقيقة هي أنها حملة تصحيحية، كميرا مهزوزة تتجول في وسط البلد، وفي أسواق باب شريف بالتحديد بعد منتصف الليل، وبعد أن يغلق الجميع حـوانـيـتـهـم، تــجــوس فــي املــكــان بــهــدوء وبــــطء، تصور املنطقة وكأنها في حالة كئيبة معزولة وحزينة، وكل شــيء فيها أصبح مسح جيف، وأن الـوضـع ينبئ عن وقوع كارثة وحدث عظيم، وأن منطقة البلد على وشك االنـهـيـار، ال ينقص املشهد إال املوسيقى التصويرية الجنائزية لتجعل القلب يرتجف مـن الـخـوف، تعبير يحمل معنى معينا وخاصا ومريبا، وبصوت خشن قليال وأجش وصوت مهزوم مكلوم مع إيقاع تنهدات، وبــــــروح مـــن يــحــمــل رأيـــــًا جــلــيــال عـــن الـــوضـــع وبلكنة أجـنـبـيـة تــحــاول جــاهــدة أن تــبــدو ســعــوديــة تكشفها مخارج الـحـروف، يصيح في املقطع مهبول «عاوزين مدينة بدون بشر» أجنبي تضخم سنامه ورأسه بينما ظـل بـاقـي جسمه ضعيفًا ومـشـوهـًا، أحـدهـم مـن تجار البضاعة العشوائية وممولني سـوق التجزئة، والتي تمثل عبئا على االقتصاد، وليست لها قيمة مضافة وحـقـيـقـيـة عـلـى اقــتــصــاد الـــدولـــة، بــقــدر تـعـزيـز الروح االســتــهــالكــيــة بــالــدرجــة األولـــــى، وجــمــيــع مخرجاتها النقدية تصدر للخارج، مجمل القول، خطفت الصديق الحميم علي يحيى محرق، وذهبنا في منتصف النهار إلـــى نـفـس املـنـطـقـة، ألتــأكــد شـخـصـيـًا عــن مــصــدر ذلك الهياج املستتر، وألقف على أرض الحقيقة، وهالنا أن نكتشف منطقة حيوية كخلية النحل، وبعض الحوانيت القليلة املغلقة، ملصق عليها مستند من وزارة التجارة موضحا فيه املخالفة وأسباب اإلغــالق، وذلـك يوضح بجالء مخالفة تلك الحوانيت لأنظمة والقوانني، اآلن ال بد من بعض التوضيح لكل هذا السلوك، فكلنا يعرف مــن هــم هـــؤالء األشــخــاص املــروجــون لـهـذه اإلشاعات، وتاريخ تلك األسواق، وكيف تقسم األرباح بني املتستر واملتستر عليه، واملوظف الفاسد الذي جعل لتلك الفئة موقعا ومكانا وسيطرة، وحماه حتى امتص خيرات هــذه الــبــالد، وضـايـق الـسـعـودي الــذي يـرغـب أن يكون لـه مـوقـع ضمن هــذه الـغـابـة مـن الجنسيات، وأن هذه املجموعة الهالكة تقوم بكل هذه التصرفات الحمقاء، آخــرهــا هــو مــا طـرحـتـه مــؤخــرا عـلـى شـبـكـة التواصل االجتماعي، ومجمل القول، إن العتب ليس على هؤالء املتمصلحني، العتب الحقيقي على من يساعدهم على نــشــر هـــذه اإلشـــاعـــات الــبــشــعــة، وهــــذه األصــــــوات التي تـنـبـعـث مــن بــني تـلـك الـحـفـنـة مــن الــعــظــام لــلــدفــاع عن مـوتـاهـا، هــل سيأتي الــيــوم الــذي تـكـون فيه مثل هذه األخبار الكاذبة في خبر كان! هل سيأتي وقت تنتهي فيه كل هذه األكاذيب املغرضة! وأن تنتهي تماما هذه الظاهرة السرطانية، هذا السؤال يخطر على بال كل من يهمه األمر، من القراء والكتاب واملسؤولني املحترمني، واإلجابة عنه ليست عسيرة، هي جملة واحـدة ال أكثر «ال لإلشاعات»، وأن نعقد األمـل والـقـدرة على التحكم في هذا الوباء، ومحاصرته ليقبع في جحور صانعيه الـضـيـقـة، ومـكـافـحـتـه، وعـــالج أســبــابــه، والــقــضــاء على مسبباته، ومحاصرة مروجيه، وناشريه، واملستفيد في النهاية من انتشاره، فعال متستر وعينه قارحة، على قول أهل مكة!