الدعوة لتأصيل العامية نحويا وكتابيا تثير جدل املثقفني!
أثار الرأي الذي طرحه الكاتب والشاعر محمد زايد األملعي عن أهمية تأصيل العامية وتأسيس نظام نحوي وكتابي لها، الجدل بن املثقفن الذين رأى بعضهم أن هذه دعوة لتسيد العامية التي فشلت في مصر وبــاد الشام وباد املــغــرب الــعــربــي وغــيــرهــا مــنــذ مــائــة عـــام فــي وقـــت كانت الهيمنة والسطوة للمستعمرين. وكـــــــان األملــــعــــي دعـــــا إلـــــى تـــأصـــيـــل العامية وتــأســيــس نــظــام نــحــوي وكــتــابــي لــهــا، فقد أصبحت املهيمنة على الــوجــدان الجمعي وهــي قنطرة االتــصــال األقـــوى بــن السلطة والـــجـــمـــاهـــيـــر وأنــــهــــا لــــم تـــعـــد ســـــوى وعــــاء مــعــزول عــن مــعــارف الـجـيـل الـجـديـد وتكوينه العاطفي واملعرفي، وأكد أن كل عامية تستحق الوجود، وأضاف أننا نكذب حن نقول إن اللغة تــوحــدنــا، الـلـغـة تـفـرقـنـا وهـــذا دورهــــا، ووحدة الـلـغـة ال تعني وحـــدة الـثـقـافـة وشموليتها، ألن الوطنية عنصر مركب خارج اللغة وهي آخــر شــروط تكاملها، وكــان األملـعـي قـد أكد في رده على بعض منتقديه بأن من يترافع عن الفصحى بوصفها وحدت العرب يعتقد أن الوحدة العربية والوطنية متحققة، وأنه ال يجد خرافة نسفت آدميتنا مثل الوحدة، فنحن مــن بــن خـلـق الــلــه نعتبر الــوحــدة تــبــدأ بمحو الــذات وإهــدار الفرد وإذابــة الجماعات الصغرى وجعلها مــجــرد مــخــتــبــرات لـلـتـسـلـط الــشــمــولــي وإهــــــدار الثقافات الرافدة ومحوها باسم التوحيد والوحدة واالتحاد، إلى آخـــره مــن خــرافــات الوطنجية والـقـومـجـيـة واإلساموية وعسكريتاريا األحزاب، ألن الوحدة العربية مزقت الجنوب العربي وكرست التبعية ومحت حضارات سالفة. وكان العديد من املتداخلن قد قابلوا هذا الرأي بالرفض املطلق، حيث وصـف الشاعر أحمد بهكلي ما يدعو إليه األملعي بغير املنطقي، وأضاف لو أن ما تدعو إليه منطقي وسهل املـنـال ملـا تاشت دعــوات تسيد العامية فـي مصر وباد الشام وباد املغرب العربي وغيرها منذ مائة عام في وقت كانت الهيمنة والسطوة للمستعمرين، لكن كل دعوة تصطدم بـالـوجـدان اإلسـامـي والـهـويـة العربية تتاشى تـلـقـائـيـا. أمـــا الــوحــدة فــرافــداهــا املتدفقان الـــديـــن والـــلـــغـــة. وأضــــــاف أن الناس فــي كــل الــعــالــم الــعــربــي تجمعهم الــعــربــيــة الـفـصـحـى ويفهمونها عـــلـــى تـــــفـــــاوت فـــــي صـــحـــة األداء الــلــغــوي، وطــالــب األملــعــي بالبحث عــن أســبــاب ســيــادة الـلـغـتـن الفرنسية واإلنجليزية في البلدان الناطقة بهما، والتعريج على أسباب انبعاث العبرية بعد موات طويل، ونشر ذلك لتفيد منه لغتنا العربية الفصحى التي يعتور الـــنـــاطـــقـــون بــهــا بــعــض الضعف نتيجة مزاحمة العاميات واللغات األجنبية. فيما تــســاءل الــدكــتــور عبدالرحمن الصعفاني عن أية عامية يتحدث األملعي، عــامــيــة نــجــد والــحــجــاز أم عــامــيــة اليمن وأقاصيها أم عامية مصر وما حولها أم عامية باد الشام؟ وأضــاف أن هذا الــرأي متاهة حقيقية ونـثـرة غير محسوبة ألن مـا يقترحه تصعيب ال تسهيل وتمزيق ال توحيد، وأضاف أن هذه الدعوة هروب لتجريب افـتـراض غير مؤسس وليس بـاألصـوب أو األجــدى فيما يبدو. وأضــاف أن هـذا عبث غير مــدروس وتهديم للقائم املـرتـبـك وانـتـظـار لـافـتـراضـي الـعـدمـي، وأنــه يـراهـا رؤية المــعــة دون رســـوخ ودون تحسب لــلــمــآالت. أمــا غــرم الله الغامدي فقد أكد أن املعلومة صحيحة، وقال: «إن الدعوة لتأصيل العامية غير مرحب بها.. ثم أي عامية تقصد يا سيدي..؟ عامية جازان تختلف عن عامية زهران، وعامية بريدة تختلف عن عامية أم رقيبة الحبيبة»، وأضاف «إن اللغة كائن حي ينمو ويتطور ويتحسن ويتغنى ببعض مــفــرداتــهــا.. والــلــغــات تـسـتـلـف وتــعــيــر بـعـضـهـا بعضا.. لنجعل طبيعة األشــيــاء تـأخـذ الـعـنـايـة بنفسها لنفسها وكــل شــيء يــأتــي طبيعيا يــــدوم.. ما نريده منك ومن بقية املثقفن هو أن تطوعوا اللغة من أجلنا -نحن الجمع الغفير- ويكون ذلك بـ«ترويض» املفردة اللغوية ال بوأدها أو استبدالها». فيما وافق محمد محب رأي األمعي بقوله إنه ينبغي علينا هيكلة النسق الدارج وبناء نموذج قــيــاســي يــمــكــن جــمــيــع الــنــاطــقــن بـــه فـــي جميع الـــدول مــن الـتـواصـل بشكل سـلـس، فاللغويون واللسانيون قادرون على إنتاج معجم لغوي وصرفي وتقريب قواعد االستعمال السليم. ألن اللغة كائن حي يخضع لحتمية التطور، ومــطــلــب كــهــذا حــاجــة وضــــــرورة ال بـــد وأن ترى النور يوما، وال بد أن نكون في مستوى االسـتـجـابـة للحاجيات حتى ال يـغـادرنـا قطار الزمن. فـــيـــمـــا رأى عـــبـــدالـــرحـــمـــن مـــوكـــلـــي أن اللغة االصـطـاحـيـة «الـفـصـحـى» تقابلها الـعـامـيـة، فـــإذا كانت املـشـكـلـة فــي الــنــظــام الــنــحــوي والــصــرفــي فــي الفصحى، فـحـتـمـا كــل عــامــيــة البـــد لــهــا نـظـامـهـا وهــنــا ســنــدخــل في إشكاالت ال حد لها مع تعدد العاميات، لكن الخيارات هي تجديد النظام النحوي والصرفي وتجديد اللغة وهذه مهمة املشتغلن على اللغة واألدباء والكتاب في املقدمة.