التدّخل بني اإليجابية والسلبية
مـــن تـــدخـــل فــيــمــا ال يــعــنــيــه، ســمــع مـــا ال يــرضــيــه، تــاريــخــنــا العربي واإلســامــي يعج بـاألمـثـال الـتـي نــرددهــا حسب املـوقـف الــذي يمر به اإلنسان بعضها له معنى وهدف والبعض اآلخر ال يصلح لعصرنا، وبغض النظر عن سبب هـذا املثل؛ هل التدخل في شــؤون الناس له حـدود وما هي أساليبه؟ ومتى يكون التدخل مقبوال ومذمومًا؟ في منطقتنا نسمي الذي يتدخل «ملقوف». تدفعنا أحيانا دوافــع كثيرة للتدخل منها حسن النية وحب الـخـيـر واملــســاعــدة، لكننا نـسـمـع أحــيــانــًا كـلـمـات وعبارات تحطم ما في دواخلنا من حب الخير، هل ننتظر الطلب لــلــتــدخــل؟ أم نــتــدخــل حــســب املـــوقـــف. أرى هــنــاك بعض املواقف يجب علينا فيها التدخل ومنها على سبيل املثال عدم التغاضي عمن يستهتر بأرواح الناس ويقطع إشارة املــرور، تقديم الشهادة حني وقــوع حــادث مــروري، تقديم النصح ملرتادي الحدائق العامة باملحافظة على نظافتها، إن عدم التدخل يعتبر قرارًا سلبيًا بكل ما تعنيه الكلمة حني يكون التدخل إيجابيًا. هناك من يــزرع في صغاره عـدم التدخل في شؤون اآلخرين بصورة مطلقة، وهذا مناف لتعاليم ديننا اإلسامي. التدخل اإليجابي مطلوب وهـو أمـر محبب. عن أبـي سعيد الخدري رضـي الله عنه قــال: سمعت رســول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف اإليمان) رواه مسلم. أما التدخل السلبي فهو مذموم، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسام املرء تركه ما ال يعنيه». ملاذا يتدخل اإلنسان في شؤون اآلخرين؟ هل هناك عاقة بني الدوافع املكبوتة والتدخل؟ هل التدخل سوف يشعره بالراحة وتقدير الذات؟ أم إن حال لسانه يقول أنا هنا، أم هذا الفضول هو الذي يعطيه الحق في التدخل، وإبداء النصائح واآلراء، دون أن يطلب منهم ذلك. تلفت من حولك سوف تجد نماذج كثيرة في حياتك سالكة هـــذا الــطــريــق الــوعــر الـــذي يـصـل إلـــى حــافــة الــســقــوط في هاوية عدم االحـتـرام. أقتبس (ما أولــع الناس بالناس، يشتغل أحدهم بشؤون أخيه، وفي أيسر شأنه ما يلهيه) الشاعر أحمد شوقي. وفـــي الــخــتــام أســتــغــرب مـــن أشـــخـــاص فـــي كــامــل قواهم العقلية يسمحون للغير بأن يتدخلوا في إدارة شؤونهم وبـالـتـأثـيـر عـلـى قــراراتــهــم ومـسـاراتـهـم الـحـيـاتـيـة. هــذا ليس من موقف القوة بل من موقف الضعف والضبابية، وليس من باب طلب املشورة. فإلى متى ال نفكر ونحلل ونتخذ القرار الذي يصب في مصلحتنا وال ننتظر من يملي علينا أفكاره وتوجهاته التي تخدمه.