أنا املكدي وابن املكدي... وكذا كان أبي وجدي
من وقـت آلخــر، ألتقي أحـد األشـخـاص من األقــارب أو األصـدقـاء أو زمــاء العمل، فيقول لي قرأت مقالك الفاني في الصحيفة الفانية، ثم يبدأ في مناقشة الطرح، يتخلله شيء من املدح والثناء والرفع والخفض، وال أدري والله صدقه من كذبه، ثم تنهال علي بعض األسئلة.. وهل فيه فائدة؟ وهل فيه تجاوب؟ وماذا تستفيد إذا كتبت في الصحف؟.. حتى يصل السائل إلـى مبتغاه ويسأل السؤال املتكرر والـذي أصبح بالنسبة لي أمر من الحنظل، كم تعطيك الصحيفة؟ فأعيد وأزيد والله وبالله وتالله أنـي ال آخـذ شيئا، ولست ممن يطلب املــال من وراء الكتابة –على األقل ليس في الوقت الراهن-. البد أن يعي الناس أن الكتابة تتنوع أهدافها ومقاصدها، فالكتابة في الصحف بالفعل هي مصدر رزق للكثير وهي بالنسبة للبعض غاية ما يتقنه في هـذه الحياة، وللبعض هي املتنفس لبث ما يختلج فـي الـصـدر ومـا يــدور فـي الـذهـن، وللبعض هـي الوسيلة األنسب والــطــريــق األقــــوم للتصحيح والــتــقــويــم واإلضـــافـــة والتلميح وأيضا التزوير والتهريج. غير أن الفرق من بني هؤالء الكتاب على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم وأهدافهم أن منهم من يحترم عقل القارئ، ويقدر دقائقه املعدودة التي يمضيها في قراءة مقاله، فا يكتب إال عن علم وال يتشدق في تعبير وال يهذي هــذي الشعر وال ينثر نثر الـدقـل، بـل إن احترامه للقارئ يبلغ به أن يراعي في الكتابة إماءه وأساليب كتابته وعـامـات الترقيم، واختيار املـفـردة املائمة للمعنى، ناهيك عن التكرار واملراجعة ملا يكتب والتثبت قبل ذكره املعلومة أو نقده للخبر، وقليل من يسأل نفسه بعض األسئلة قبل كتابة مقاله مثل ما هو صلب املــوضــوع، وكــيــف ســأصــوغــه، ومــا الــهــدف مــنــه، ومــا هــي الــفــائــدة التي سيجنيها القارئ من هذا املقال. لقد أصبحنا في وقت اختلطت فيه األوراق، فـا الـوقـت يسعف كـي يعمل اإلنــســان ذهـنـه وفـكـره فـي نقد وقراء ة كل ما يعترضه، حتى أصبحت املقاالت ال تلم وال تنم وال تفقر أو تسمن من جوع، ولكن جهد املقل، ورحم الله ابن تيمية الذي كان إذا مدح في وجهه قال: أنا لست بشيء، وال لي شيء، وال عندي شيء، وال مني شيء، ثم يقول: أنا املكدي وابن املكدي.. وكذا كان أبي وجدي.