السعودية.. والتطورات في العراق
خــبــر ســــار وتـــطـــور إيــجــابــي أن تــنــجــح آلية السياسة العراقية بعد تردد وصراع في ملء فــــراغ املــنــاصــب الـسـيـاسـيـة الــقــيــاديــة الثاث الكبرى في العراق، بـدءا بمنصب رئيس البرملان، ومرورا بمنصب رئيس الجمهورية، وأخيرا منصب رئيس الوزراء والذي يعد أهمها وأكثرها حساسية. واملهم في األمر هو أن التجربة األخيرة، كسابقاتها، في اختيار القيادات السياسية الــعــلــيــا كـــرســـت وعـــــــززت ظــــاهــــرة املــحــاصــصــة الطائفية والعرقية في توزيع مناصب الـدولـة، وتبنت بشكل فعلي ورسمي التجربة اللبنانية التي سبقتها، والتي كانت تعد دوما تجربة خاطئة، في تعزيز مبدأ املحاصصة الطائفية والدينية على حساب الهوية واالنتماء الوطني، وإضعاف اللحمة الوطنية وزعزعة هيبة وسلطة الدولة. ورغــم عــدم حــال الـرضـا العربي، وبينه املـوقـف السعودي، الستنساخ الــعــراق للتجربة اللبنانية، فــإن اململكة قادرة على التعايش مـع اختيار الشعب الـعـراقـي، واحــتــرام هذا االخــتــيــار لـكـونـه مــن الــشــؤون الـداخـلـيـة لــلــعــراق، واململكة تحترم، بشكل صارم، مبدأ عدم التدخل في شؤون اآلخرين واحترام سيادة واستقال الدول األخرى. املطلوب تحقيقه من مثلث القيادة العراقية العليا الجديد اليوم يمكن اختزاله في كلمة واحدة لها تشعبات متعددة وهـي كلمة «االسـتـقـرار». وتحقيق االسـتـقـرار لـه متطلبات متعددة تتضمن تحقيق استقال الدولة وضمان استقالية قـــراراتـــهـــا الــســيــاســيــة، مـــا يــعــنــي إنـــهـــاء الــنــفــوذ والتسلط اإليــرانــي على مـسـار السياسة الـعـراقـيـة، ويعني استعادة سلطة وهيبة الــدولــة أمــام نـفـوذ امليليشيات والجماعات الطائفية املسلحة وضمان احتكار الساح بيد الدولة فقط، بما يضمن تحقيق إصـاحـات إداريــة جذرية تنهي حالة الــفــســاد املـسـتـشـري وســرقــة املـــال الــعــام، ومــحــاربــة ظاهرة االنفات األمني وانتشار جماعات الجريمة املنظمة وغير املنظمة، وكذلك إنهاء سلطة العشائر التي استفحلت في حياة املواطن واستحوذت على سلطات الدولة في مواضع متعددة، وبناء قوات مسلحة وأجهزة أمنية مهنية محترفة ذات هوية وطنية تدين بالوالء للوطن، بعيدا عن االنتماء ات والوالء ات الطائفية أو العرقية، ويعني ما هو أكثر من هذا وهــو توفير الـحـاجـات األسـاسـيـة للمواطن الـعـراقـي الذي عانى الويات خال األعوام الخمسة عشر املاضية. الــتــزام الــقــيــادة الـعـراقـيـة الــجــديــدة بــهــذه املـتـطـلـبـات ليس لتحقيق مصالح السعودية، أو لتحقيق مصالح أي دولة عربية أخرى، بل لتحقيق مصلحة العراق الذاتية ومصالح شعبه في املقام األول، كما سينتفع اآلخرون، وفي مقدمتهم جيران العراق من الدول العربية من تعزيز استقرار الدولة وتثبيت أمنها وسيادتها واستقال قراراتها السياسية. لذا ما تتمناه اململكة العربية السعودية من القيادة العراقية الـــجـــديـــدة لــيــس بــالــكــثــيــر، بـــل مـــا يــمــثــل الــســلــوك واملسار الطبيعي ألي دولة من دول العالم ذات قيمة وحظوة كدولة العراق ذات املكانة التاريخية والحضارة العريقة والتميز اإلقليمي. ما حدث خال األعــوام الخمسة عشر املاضية هو خضوع الــعــراق الـعـربـي الحـتـالـني خـارجـيـني شــرســني ومدمرين، األول رســمــي ومـــرئـــي وعــلــنــي وشـــاخـــص وهــــو االحتال العسكري األمريكي املتمثل بالجندي، والدبابة، والطائرة األمريكية، هذا االحتال الذي جثم على أرض العراق وخنق شعبه لسنوات طويلة، والثاني وهو االحتال اإليراني غير الرسمي للدولة والسيطرة على مقدراتها، وهـو االحتال األشـــد واألكــثــر تــدمــيــرا وعـبـثـيـة. وعــلــى الــقــيــادة العراقية الـجـديـدة االعــتــراف بـصـوت عـــال بــوجــود احـتـالـني، األول وهــو األمـريـكـي وربـمـا يـكـون زائــا وذا تـأثـيـرات محدودة على مسيرة الدولة وحياة املواطن، ولكن يجب االستمرار فـــي مــحــاربــتــه واحــــتــــواء آثــــــاره الــســلــبــيــة، والـــثـــانـــي وهو االحـتـال اإليـرانـي الــذي تسرب إلـى جميع مفاصل الدولة وزوايـــــا اتــخــاذ الـــقـــرار فــي الـــعـــراق، وهـــو األخــطــر واألكثر استمراًرا وتأثيًرا، فهذا االحتال تمكن من بناء أسس قوية وجذور عميقة داخل البيت السياسي العراقي، وكرس آليته األساسية القائمة على متانة الــوالء الطائفي، وتمكن من قتل االنتماء الوطني العراقي، وتصفية الهوية واالنتماء القومي العربي لشعب العراق، وتهميش تاريخ وحضارة العراق العريق، وما نقوله عن الدمار الذي أحدثه االحتال اإليـــرانـــي لــلــعــراق ال يـشـكـل إال جــــزءا يــســيــرا مــن الحقيقة الكاملة، ومــن الـصـورة الخفية واملخفية لهذا األخطبوط الذي سخر جميع إمكاناته وقدراته لاستحواذ على واحدة من أهم الـدول العربية من حيث املكانة والقدرات واملوارد الطبيعية والبشرية. األسئلة املشروعة الـيـوم والـتـي تـتـردد فـي العالم العربي هــي: هـل ستعمل الـقـيـادة العراقية الـجـديـدة على تحقيق «االســــتــــقــــرار» بــجــمــيــع مــتــطــلــبــاتــه، وهــــل ســتــكــون راغبة ومستعدة وقــادرة على دفـع الثمن املطلوب ملهمة تحقيق االستقرار. هل تحرير العراق من السيطرة اإليرانية سيكون أحـــد أهــدافــهــا املــعــلــنــة، أو غــيــر املــعــلــنــة؟ املــمــلــكــة، وجميع األشـقـاء الـعـرب، سيباركون هـذا التوجه، وسيكونون على أهـبـة االسـتـعـداد ملـد يـد الـدعـم واملـسـاعـدة لـلـعـراق الجريح واملــحــتــل، ولــكــن سـتـبـقـى املـــبـــادرة الـحـقـيـقـيـة واألساسية وبشكل حصري لتحقيق هذا الهدف بيد القيادة العراقية، لـذا نقول للقيادة العراقية الجديد إن أشقاءكم في العالم العربي، واململكة العربية السعودية وجميع دول مجلس التعاون الخليجي، في انتظار املبادرة املباركة للشد على أيــديــكــم، ومــبــاركــة تـوجـهـاتـكـم إلعــــادة بـلـدكـم إلـــى دورها الطبيعي في املنطقة والعالم، إذ نقدم لكم التهنئة بتوليكم املناصب القيادة في العراق، نذكركم أن مع املنصب تأتي املسؤولية، ومسؤوليتكم الكبرى التي تنتظركم هي إنقاذ بلدكم مـن االحـتـال املعلن وغير املعلن، ونحن على يقني أنـكـم سـتـولـون مصلحة بــادكــم جــل اهـتـمـامـكـم، وسيكون شعبكم أمـام أعينكم، وفقكم الله إن كانت مصلحة العراق واستقاليته وسيادته ورفاهية شعبه ستكون هي دليلكم وهمكم األول واألخير. * رئيس مركز الخليج لألبحاث