«كما ُيولى عليكم تكونوا»

لست متقدمًا جــدًا فـي السن ألتـحـدث بوعي تــام عـن زعـمـاء اعتلوا منصة األمـــم املـتـحـدة فــي مـنـاسـبـات عـــدة، وتــحــدثــوا بـكـام طويل لساعات على أنهم قــادرون على تغيير الواقع إال أنهم عجزوا عن حماية أنفسهم وبـلـدانـهـم مــن الــجــوع واملـــرض والـجـهـل، وال يزال البعض مهووسا بالتعبير أكثر من عنايته بالخط. أسعفتنا التقنية بمشاهدة زعيم لم يجد بـدًا من الضرب بحذائه -أكرمكم الله- على منصة األمم املتحدة احتجاجًا، وزعيم آخر وضع منديله على جهاز التنبيه الضوئي ألنه أعلن انتهاء وقته، وزعيم عربي آخـر رمـى بالكتيب الخاص باملنظمة األممية على الرئيس وأعـوانـه بكل صفاقة، إال أن منجز الدولة لم يتحقق على أيديهم. أعني املنجز الحضاري للدولة. منذ زمن قريب وبعد ما سمي بالربيع العربي أشفقت على شخصية كثيرة كام، وكنت أجزم أنه لن يستمر طويا، ألنه ليس مؤها ال جينيًا وال معرفيًا مللء املوقع الذي كان أكبر منه، وبالفعل أنقذ الله الباد والعباد منه. الزعامة ليست بيع الكام للشعوب، والشعبية ال تكتسب باملقال، وإنـمـا بـأفـعـال الــرجــال، والعناية بالشعب عــدال ورحـمـة وتطويرًا ورقـيـًا بكل شـأن من شـؤونـه، وتوفير األمــن والحياة الكريمة دون ثرثرة. عـنـدمـا كــان املــلــك عـبـدالـعـزيـز -طــيــب الــلــه ثــــراه- فــي الــكــويــت، وهو مهموم ذات يــوم ويـفـكـر وبـيـده عصا يبحث بطرفها فـي األرض، فلمحه أحـد أخـويـاه، وقــال «ال تشيل الهم يا طويل العمر، إن شاء الله أنك تستعيد ملك آبائك ورايتك عليا»، فسأله امللك «من كان ال يملك إال هذه العصا يسترد ملك آبائه؟»، فرد عليه «يؤتي امللك من يشاء»، فعلق: والنعم بالله. إن الـزعـمـاء الـتـاريـخـيـن لـهـم خـصـائـص بـيـولـوجـيـة، وتعاضدهم األقدار بظروف زمانية ومكانية، واألهم أنهم يكسبون ثقة شعوبهم بما ينجزون، خصوصًا أنهم يدخلون منذ أول لحظة فـي سباق مع الزمن. يتفق علماء السياسة أن الرجال يصنعون الـدول، وهذا ماثل للعيان فـي التجارب الناجحة عربيًا وعامليًا، بينما يخفق باعة الكام، ومرددو الشعارات الوهمية، ولعل أحد أسباب اإلخفاق غياب الزعيم املؤهل، ألننا سلمنا بمقولة «كما تكونوا يول عليكم»، واليوم في عهد الحزم والعزم ينبغي أن يكون كل منتم لهذا الوطن في مستوى زعامتنا الفاعلة التي ترفع الرأس. فنحن في زمن «كما يول عليكم تكونوا».