Okaz

هؤالء البدو ال ينفع معهم التهديد !

-

سألت دبلوماسيا سعوديا سابقا عـاصـر الفترة التي واجهت فـيـهـا املـمـلـكـ­ة حــمــات ومـخـطـطـا­ت واســعــة عـلـى أيـــدي «أمريكا كيندي» والشيوعيني املتطرفني والـيـسـار العربي الـحـاقـد، تلك املرحلة التي رافقتها حروب ومحاوالت انقاب.. فقال لقد هزمت الرياض كل أولئك بالتفاف الشعب حول قيادتهم وإيمانهم بمصيرهم املشترك وثقتهم فيها. بعد أيام فقط من قيام الواليات املتحدة األمريكية بتنفيذ جسر جوي يدعم الجيش اإلسرائيلي في حـرب تحرير سيناء 1973 هــددت السعودية وعلى لسان أكثر من مسؤول رفيع بإيقاف إمداد العالم بالنفط، كان موقفا عروبيا كبيرا وانتصارا على الذات فهو املصدر الوحيد للدخل في اململكة، لكن البقاء صـامـتـني أمـــام الــدعــم والـجـسـر الـعـسـكـر­ي كــان يعني الــوقــوف صـامـتـني أمام انحياز غير مقبول وقلب االنتصار العسكري الـواعـد إلـى هزيمة للمشروع العربي. أيام حتى وصل هنري كيسنجر وزير الخارجية األمريكي إلى الرياض، أخذته السيارة إلى منطقة صحراوية قاحلة فيها مخيم صغير غير مكيف، الجو حار في الرياض فا يـزال شهر أكتوبر مقيما، نزل كيسنجر من السيارة باتجاه الخيمة، وانحنى وهو داخل إليها فمدخلها كما هو معروف منخفض، اتجه للملك فيصل الجالس في وسط خيمته وأمامه تمر ولنب، كان اللقاء قصيرا وغير ودي على اإلطـاق، لكن الرسالة بل الرسائل وصلت، وهي التي جاءت ردا على تلميحات وتهديدات أمريكية وأوروبية مبطنة باحتال آبار النفط أو فرض عقوبات على السعودية. فهم كيسنجر ما أراد السعوديون قوله، وعــاد أدراجــه نحو واشنطن حاما رسـالـة لـسـان حالها «هـــؤالء الـبـدو ال ينفع معهم التهديد، فقط احترموهم يحترموكم»، لقد قفزت أسعار النفط عدة مـرات، وأصبحت أوروبــا واليابان شبه مشلولة، املصانع متعثرة أو في طريقها للتوقف، محطات الوقود خاوية والسيارات مركونة على جوانب الشوارع، بالطبع كان التأثير يصل إلى كل بيت في العالم الغربي. العالم يتبدل، إنها حقيقة التاريخ والسياسة، والبيان السعودي الصادر مساء أمس ردًا على جملة التصريحات والتهديدات «املفرطة» واملبتذلة يقول ذلك، ويضع في الوقت نفسه العالم أمام مسؤولياته، فالرياض تأنت وحلمت لعل العقاء يقفون مع منطق األمور وعدم االنجرار وراء األكاذيب، إال أن التمادي وغباء الرسائل الغربية جعلها تقف بصابة أمام هذا السيل الهائل من قذارات وسائل اإلعام الغربية، التي استمع أو استجاب لها السياسيون االنتهازيو­ن للحصول على رضاها ضمن صراعاتهم ومماحكاتهم وانتخاباته­م الحزبية لكن هذه املرة على حساب اململكة. الرياض تقول دائما إنها ال تتدخل في شأن أحد وال تقبل من أي أحد أن يتدخل أحد في شؤونها، كما أنها تقول إن أي فعل سيقابله رد فعل أكبر وأقوى. لطاملا قال األمير بندر بن سلطان عند تقييمه للعاقات السعودية األمريكية، إنــهــا عــاقــات إسـتـراتـي­ـجـيـة، وإن أي رئــيــس يــأتــي عـــادة مـحـمـا باألكاذيب والتجييش من مؤسسات أو منظمات أو وشايات إعامية، إال أنه سرعان ما يفهم أن اململكة بلد صديق وصادق وحليف ال يمكن التفريط به. الــخــيــ­ارات الــســعــ­وديــة الــيــوم واســعــة وال يـمـكـن أن يــحــددهـ­ـا الـبـيـت األبيض األمــريــ­كــي وال 10« دوانــيــن­ــج سـتـريـت» الـبـريـطـ­انـي، وهــي دائــمــا وأبــــدا تبدأ بالكعبة املشرفة قبلة اإلسام ومهبط الوحي وقوتها الكبرى، وال تنتهي في بناء عاقات إستراتيجية بديلة مع موسكو إلى الصني مرورا بكل ما تتخيل أو ال تتخيله املـؤسـسـا­ت اإلعــامـي­ـة الـغـربـيـ­ة وسـيـاسـيـ­ون انـجـرفـوا وراءها، الخيارات الغربية اليوم هي التي تقود بلدانها والعالم إلى صدام عنيف بني شرق وغرب، فقط ألنها تريد أن تنفذ أجندات يسارية وليبرالية ال تنسجم مع امللكيات القديمة. السعودية ليست دولة هامشية، واملوديات السياسية التي يمكن أن تستبدل بها سياساتها الحالية موجودة وواسـعـة، والـريـاض جاهزة للصعود فورا إلى قطار آخر غير القطار الحالي، وعلى الغرب أن يتحمل فقد حليف معتدل مثل السعودية. * كاتب سعودي

 ??  ?? محمد الساعد * @massaaed m.assaaed@gmail.com
محمد الساعد * @massaaed m.assaaed@gmail.com

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia