أدباء سعوديون يزحزحون «املركزية الروائية» شرقا
القصيبي ومنيف فتحا نافذة التواصل مع دور النشر الفرنسية «احلزام» و«روايات البوكر» جتاوزت عقدة «الدونية» وفتحت األفق ﻣﻨﺘﺠﻬﻢ ﺍﻹﺑﺪﺍﻋﻲ ﺍﻟﻤﺘﺮﺟﻢ ﺇﻟﻰ ﻟﻐﺔ »ﻓﻮﻟﺘﻴﺮ« ﻳﻜﺸﻒ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻬﻢ
فيلم سعودي واحد للمخرجة هيفاء منصور كان له أثر واسع في امليديا الفرنسية في السنوات األخـيـرة، وهـو ليس مجرد فيلم، فهو نـص روائـــي مـصـور، كــان يمكن أن يـصـدر مكتوبًا قـبـل أن يظهر عـلـى شــاشــات الـسـيـنـمـا، لـكـنـه، يعبر -ضمنيًاعـن اهتمام غير مصرح بـه مـن الـقـارئ الفرنسي تجاه املنتج اإلبداعي السعودي. ومع الطفرة التي حققتها الرواية السعوية فــي املــشــهــد الــعــربــي، خــصــوصــًا مــع مـطـلـع األلــفــيــة الجديدة، وظهور جيل جديد من الكتاب الروائيني بما تحمله كتاباته من حيوية وتنوع وصدامية في بعض األحيان، ينبئ بأهمية االنتباه للحراك الروائي في اململكة العربية السعودية، حيث تكفي اإلشــارة إلـى أنـه البلد العربي الوحيد الـذي وصـل ألهم جـائـزة عربية (الـبـوكـر) ثــاث مــرات، مـا يبرهن مــرة أخــرى أن املـركـزيـة الــروائــيــة التقليدية تـزحـزحـت شـرقـًا نـحـو الرياض، وبات على الناشرين األوروبيني، خصوصًا الفرنسيني منهم، أن يتنبهوا لهذه الخصوصية، لتصحيح نظرة الفرنسي تجاه الثقافة السعودية من جهة ومـن جهة أخـرى لكسب حساسية روائـــيـــة جـــديـــدة، بــعــدمــا فــشــل روائـــيـــون عـــرب مــكــرســون، في السابق، في إيجاد موقع لهم في الخريطة الروائية الفرنسية. املعادلة صعبة لقراءة موضوعية للرواية السعودية املترجمة إلــى الـفـرنـسـيـة واملــوجــهــة لـلـقـارئ األجـنـبـي الـفـرنـسـي املفخخ بـصـورة نمطية عـن الـجـو الـعـام للمملكة العربية السعودية بــمــجــمــوع كـلـيـشـيـهـات كــانــت حـــاضـــرة فـــي أول روايـــــة كتبت بالفرنسية (الحزام) ووضعت في سوق الكتاب بفرنسا في عام ٠٠٠٢ لكاتبها أحمد أبو دهمان الصادرة عن غليمار. كــل مــن عـبـدالـرحـمـن منيف وعــبــده خــال وأبـــو دهــمــان ورجاء عالم والجيل الجديد على غرار محمد حسن علوان املتوج في فرنسا بجائزة معهد العالم العربي، ورجاء الصانع وغيرهم، اســتــطــاعــوا بـنـصـوصـهـم الــســرديــة تـــجـــاوز عــقــدة «الدونية» وفـتـحـوا األفــق نحو روايـــة سـعـوديـة تسابق نصوصا غربية في املشهد الثقافي والبحثي الفرنسي، ومحاولة اقتحام دوائر الـجـوائـز املكرسة فـي فرنسا، مثلما استطاع نـص «القندس» ملحمد حسن علوان من افتكاك جائزة خارج دائرته الجغرافية. والسؤال الذي يطرح بإلحاح هو هل اختيار دور النشر األجنبية لتلك النصوص الـتـي خـاضـت فـي طابوهات اجــتــمــاعــيــة هــــو حــــــراك بـــاتـــجـــاه عـــالـــم عـــربـــي موسوم بالتقاليد والــعــادات؟ أم هـو اعــتــراف بنصوص عربية استطاعت أن تفرض نفسها وسط زخم إنتاجي قادم من الجهات األربع من العالم ومترجم إلى الفرنسية؟
التحرر من هاجس إرضاء النقاد والقراء األجانب
يعتقد الكثير مــن الـنـقـاد أن األدب الـــذي يـكـون أكـثـر سيادية هو ذلـك الــذي يتحرر من هاجس الـقـارئ الـواقـع تحت سطوة األفكار املسبقة، وهو األدب الـذي ال يحاول فقط إرضـاء ذائقة قراء بعينهم، ولكن تكون سيادية األدب عندما يتحرر من لعبة املــعــارضــة، فيجعل مــواقــف األشــخــاص تتماهى فــي بعضها الــبــعــض، وتــتــاقــى فــي «لـــوثـــة» الــســرد لـتـخـلـق شـيـئـا جديدا مغايرا، يستوعبه القراء مهما اختلفت ثقافاتهم. فالكاتب الذي يصل إلى قارئ يختلف عن قارئ بيئته، هو الـكـاتـب الـــذي تـتـعـدد فـيـه األصــــوات وتتميز نـبـرتـه بحيث يجد صوته في أصوات اآلخرين، سواء كان صوتا لصديق أو صوتا آتيا من املاضي أو صوت كتاب قرأه وانتزع منه نسقه واستعاده في زخم السرد. وليس مهما لكاتب أن يكتب لقارئ أجنبي بلغة البيئة التي يعيش فيها، ولكن املهم أن يتمكن مـن مـحـاورة شخوصه وفــق مـا تمليه حبكة السرد والبناء النصي املتماهي في بيئته، الذي غالبا ما يختلف مع النصوص الغربية. ومثلما صنعت نـصـوص روائــيــة سـعـوديـة نجاحها املحلي، تمكنت من انتزاع اهتمام القارئ الفرنسي أيضا على غرار مدن امللح، شقة الحرية، طوق الحمامة، والحزام، والقندس، وغيرها من النصوص. فنقاد النصوص األدبية الفرنسية، والباحثون املــخــتــصــون فــي األدب الــعــربــي فــي مــعــاهــد األدب الفرنسية والجامعات يرون أن األدب السعودي الذي كتب بلغة فرنسية أو ترجم إليها نجح في صنع ذلك التداخل واملـزج التدريجي لــألــوان األدبــيــة، فــمــارس الـكـتـاب الــســعــوديــون تماهيهم في أصوات متعددة، خاطبت من جهة قارئا محليا، وامتدت وراء الحدود، فقرأ واستوعبها القارئ األجنبي، سواء من خال نص أصلي مكتوب بلغة فولتير، أو بنص مترجم إلى تلك اللغة. وعلى رأي أسـتـاذ األدب العربي الحديث بجامعة السوربون فـريـدريـك الغـرانـج أنــه «بـرغـم مـا قيل عـن النصوص الروائية السعودية املترجمة وتلقيها من قبل القارئ الفرنسي وأيضا مــن قـبـل نــقــاد الــســرد الــروائــي املـكـتـوب أو املـتـرجـم إلــى اللغة الفرنسية، إال أن الترجمة تظل متباينة مـن نـص آلخــر، قيل عنها الكثير، واستثنى من ذلك النصوص التي كتبت مباشرة بالفرنسية». فمعظم النصوص التي ترجمت أدخـلـت عليها تعديات وإعــادة صياغة من قبل املحرر األدبـي والفني لدور النشر، من أجل إعـادة الصياغة على وجه التحديد لتوضيح النص الضمني الذي سيتلقاه القراء الجدد األجانب من ثقافته األصلية. وغالبا ما استعانت الترجمات بهوامش توضيحية لوضع القارئ في قالب النص املترجم الذي يقع بني يديه. إن ترجمة األدب والنصوص الروائية تتطلب الكثير من املهارة التي تحدث عنها ريموند كوينو حني برهن على أن الترجمة
أسماء كوار ( باريس)
قــــد تجعل الــــــــــــــــقــــــــــــــــارئ يــــــــســــــــتــــــــأنــــــــس بــــــــــــــتــــــــــــــيــــــــــــــمــــــــــــــات املجتمعات املختلفة ويــتــمــاهــى فــيــهــا. وقد عــــــادت هـــــذه املـــقـــولـــة عند الكثير من املختصني الغرب فــي الــســرديــات املــعــاصــرة، فبرز هذا الجانب جليا عند املتخصص فـــي األدب املــعــاصــر إيـــريـــك غوتييه عندما كان يحاول من خال محاضرات أدب اإلثــنــني، الــتــي كــانــت تنظم بالتناوب بني باريس ودمشق أن يجيب عن الكثير من الــجــوانــب املــهــمــة فــي الــنــصــوص الــروائــيــة التي تـفـتـح أفـــق الـــقـــارئ، عــلــى غــــرار تـحـفـة عبدالرحمن منيف «مدن امللح»، فيثير غوتيه جدلية: تجربة الكتابة وكتابة التجربة. غـــوتـــيـــه، وهـــــو املــتــخــصــص فــــي األدب املـــعـــاصـــر بجامعة السوربون، ترجم أعمال منيف (النهايات) في 31٠٢، وأصدر في السنة نفسها ترجمة غازي القصيبي. وقد فتح فوز عبده خال ورجاء عالم بالبوكر شهية دور النشر الستكشاف عالم الرواية السعودية، ما جعل دار الرمتان تجمع مجموعة الـسـيـر الــذاتــيــة وروايــــات سـعـوديـة فــي أنطولوجيا مترجمة إلى الفرنسية أشرف عليها الدكتور أبو بكر باقادر. األنــطــولــوجــيــا الــتــي صــــدرت عــن دار الرمـــتـــان تناولت تجارب أدبية اتسمت بالجرأة واإلبــداع األدبــي ولكنها بقيت حبيسة أدراج املخازن واملكتبات لعدم انتشارها وتوزيعها لإلعام الثقافي.
وعكة الترجمة وانتهازية بعض الدور الفرنسية
قــد تتغير مـسـتـويـات الــســرد مــن لـغـة إلــى أخـــرى وقــد تختلف أســالــيــب الــكــتــابــة مـــن لــغــة روايــــــة إلــــى أخـــــرى عــلــى حـــد قول الناقد عبدالله الغذامي، لكن القارئ الغربي وجد في الرواية السعودية إبداعا أدبيا جديدا مختلفا يحتفي به. فاالستثناء الذي صنعه غازي القصيبي وقبله بقليل عبدالرحمن منيف وما زال يصنعه وبعده من الجيل الشاب محمد حسن علوان بعد فـوز «القندس» التي تولت ترجمتها ستيفاني ديجول، جعل اإلعـــام الثقافي الفرنسي يلتف للنصوص السعودية بـشـكـل مـثـيـر لـاهـتـمـام فــي اآلونــــة اآلخـــيـــرة. ولــيــس مــن قبيل الصدف أن ينال محمد حسن علوان التكريم بجائزة فرنسية عن روايته املترجمة، فالكاتب سبق أن نشر أربع روايات سبقت «القندس» املتوجة، ووصل في 31٠٢ للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية. ما حـدث ومـا يجب التذكير به أنـه ولعقدين من الزمن، برزت فـي أوســـاط الطبقة الـوسـطـى السعودية فئة مولعة بالقراءة واالهــتــمــام بــــاألدب الــعــاملــي. وهـــذا مــا فـتـح األفـــق نـحـو األدب السعودي املعاصر، بالرغم من بعض «وعكات» الترجمة التي أخفقت في حدود ضيقة على نقل النصوص السردية السعودية بجماليتها، مــا جـعـل عـــددا قليا مــن الــروائــيــني السعوديني تحظى نصوصهم بالترجمة. ورغـم أن نصوصا احتفت بها األوسـاط البحثية وتمكنت من أن تكون محل رسائل دكتوراه ودراسات عليا كمدن امللح، إال أنه وال رواية سعودية مترجمة أو مكتوبة بالفرنسية وصـلـت إلــى قـوائـم الـجـوائـز الفرنسية املـعـروفـة ســواء بالنسبة للغونكور الفرنسية لــأدب املكتوب بالفرنسية أو غونودو أو فيمنا التي تحتفي باألدب املترجم، أو غيرها من الجوائز الفرنسية املشهورة، إذا استثنينا جائزة معهد الـعـالـم الـعـربـي الـتـي حصدها محمد حسن عـلـوان عن روايته القندس املترجمة، وهي في األصل جائزة تمنح لأدب العربي املترجم إلى الفرنسية. بل واملاحظ أيضا أنه ما ترجم لحد اليوم لم يحتف به بالشكل الذي يليق بنصوص كبيرة سواء ملنيف أو لغازي القصيبي أو لعبده خال، أو غيرهم من الروائيني الذين خاضوا في قائمة موضوعات وجدوا فيها ضرورة ملحة للكتابة، خاصة ضمن سياقات اجتماعية مختلفة وتأثيرات وأنماط حياتية بدأت تعرف تغيراتها اململكة العربية السعودية بداية من ثمانينات القرن. فما غلب على هذه الروايات أن شخوصها بدت متذمرة مــن واقــــع غـلـبـت عـلـيـه الــنــزعــة االسـتـهـاكـيـة كـمـا فــي روايات إبراهيم الناصر وخاصة في غيوم الخريف، أو أنهم مهزومون أمـام واقـع يفرض سطوته كما في روايــات عبد العزيز مشري كما في الوسمية، التي جاءت بنفس شاكلة النهايات، رغم أن ذلــك الـواقـع لـم يتعد حــدود جغرافية الـوطـن، عكس نصوص أخــرى، تمكنت من االستحواذ على اهتمام الـقـراء والباحثني ودائرة دور النشر الغربية. منذ «طوق الحمامة» لرجاء عالم املترجمة عن (ستوك، ٢1٠٢)، والتي تسرد فيها رجاء عالم التحوالت بمكة، اكتشف قراء لغة فولتير والدارسني تجربة أدبية نسوية مثيرة تميزت بالوعي الثقافي، فكانت طريق الحرير عما أدبيا آخر لعالم، اكتشف فيها النقاد الفرنسيون والباحثون في األدب املعاصر نصا إبــداعــيــا آخـــر مــغــايــرا تـمـامـا لـنـصـوصـهـا األخـــــرى. وكـــان أول ترجمة إلـى الفرنسية حظيت بها رجــاء عالم روايتها األولى «خاتم» التي ترجمها لوك باروليسكو .)٢٠11 Actes Sud( وعلى عكس عالم وبينما كانت أول ترجمة لعبدالرحمن منيف في 1996 روايته «مـدن في الذاكرة» استغرق الوقت ٠3 عاما لترجمة ثاثية «مدن امللح» عن دار النشر أكت سود في Actes( 31٠٢)، ،Sud كانت هذه الرواية صممت في األصـل على أنها ثاثية، ثـم توسعت فيما بعد لتصبح 5 مجلدات، كـل مجلد يحتوي نحو ٠٠4 إلـى ٠٠6 صفحة. املجموعة أثــارت الكثير من اإلعجاب لدى القراء الفرنسيني والنقاد، وقد ترجم املجلد األول لـدار أكت سود فرانس ميار. واعتبرت الترجمة من قبل الــدارســني واملـخـتـصـني ملحمة مـثـيـرة لـإلعـجـاب، ال تعبر عن عائلة، بل عن شعب بأكمله، وقـد تناولت الثاثية التحوالت االجـتـمـاعـيـة الـدقـيـقـة فــي شـبـه الــجــزيــرة الـعـربـيـة فــي مرحلة معينة. وباإلضافة لكل هـذه النصوص، جــاءت روايــة «ترمي بشرر» لــعــبــده خــــال، الــحــائــزة عــلــى الــبــوكــر فــي ٠1٠٢، لـتـتـرجـم إلى الــفــرنــســيــة بـشـكـل مـثـيـر لــإلعــجــاب وقـــد دخــلــت إلـــى مكتبات ورفوف الدراسات الجامعية الفرنسية. وبــعــدهــا تـــوالـــت انـــتـــصـــارات األدب الــســعــودي املــتــرجــم ولو بشكل مقتضب وعلى دائـرة ضيقة من جانب اإلعـام الثقافي الفرنسي، ولكن انتصار األدب السعودي تماثل في نطاق أوسع على مستوى الدراسات الجامعية الفرنسية املختصة في األدب العربي املعاصر، حيث أفردت له نصيبا وحيزا مهما.
أدب اململكة في عيون القارئ الغربي
مـــاذا يــعــرف الــقــارئ الـفـرنـسـي عــن أدب بـلـد تـبـلـغ مـسـاحـتـه 4 أضعاف مساحة بلده فرنسا؟ وما هي الصور التي يستحضرها الفرنسي عدا النفط والصحراء وصور النساء املحجبات؟ لــم يتخلص الـفـرنـسـي مــن الكليشيهات الـتـي تشكلت لديه عن مجتمع محفوف باالنغاق والتقاليد املحافظة، فظلت تلك الـصـورة املوغلة فـي عقله لعقدين مـن الـزمـن تؤثث كل قــراءاتــه ونـظـرتـه للخليج بشكل عـــام. فاملجتمع الـــذي فنت لورانس العرب خال الحرب العاملية األولـى، وغيره من املستشرقني فـي الـقـرون املاضية، ومـا كتب فـي كتب التاريخ والفنون لم يشفع لهذا العالم العربي عند الغرب ليغير نظرته له. لقد أصبحت اململكة العربية السعودية واحدة مــــن أكـــثـــر الـــبـــلـــدان اتــــصــــاال مــــع دول العالم، تستقطب أكثر من 5 مايني مستخدم لتويتر (بما في ذلك أكثر من %45 من النساء) وأكثر مــن 6 مــايــني مـسـتـخـدم لـلـفـيـسـبـوك. وخال هـــذيـــن الــعــقــديــن مـــن الـــزمـــن ظـــهـــرت الطبقة مـولـعـة بــالــقــراءة والــكــتــابــة، وراحــــت تتخطى حـــــدود جــغــرافــيــتــهــا بـــالـــخـــوض فـــي نصوص روائية تؤسس لعهد جديد وأدب جديد، تجاوز حــدود الـطـابـوهـات وخــاض فــي أمــهــات املــواضــيــع. وإذا انتشرت في العالم العربي نصوصا روائية سعودية نافست نظيرتها العربية، فإن موجة األدب السعودي الجديد ال يزال ضيق االنتشار في الغرب وفرنسا على وجه الخصوص، رغم محاوالت امللحقية الثقافية السعودية وعلى رأسها املسؤول األول الذي كان ذكيا في اختيار النصوص والدراسات األدبية وترجمتها واستقطاب باألخص النصوص الجيدة، إال أن تلك الـتـرجـمـات ظلت ضيقة االنـتـشـار لافتقار لسياسة التوزيع والتسويق من قبل دار النشر املشرفة على ذلك. ورغــــم هـــذا الـتـضـيـيـق املــقــصــود أو غــيــر املــقــصــود مــن بعض دور الــنــشــر، إال أن نـصـوصـا روائــيــة ســعــوديــة أزاحــــت بعض الـنـقـاب عـمـا يـشـوب صـــورة الــداخــل املجتمعي الــســعــودي من ضبابية لـدى الـغـرب. وتعرف الـقـارئ ولـو جزئيا على بعض املــوضــوعــات الـتـي فسحت بـــدون هـــوادة املــجــال للتفتح على الثقافات التاريخية والبشرية املتقاربة أو املخالفة؛ مثل أي مجتمع بشري كان. الروايات التي انتشرت واختارتها بعض دور النشر مثل دار غاليمار ولوساي والرمتان وأكت سود وإيريك بونييه، حضر فيها صــوت املـــرأة بشكل كبير، كما حضر البحث عـن العالم بهوية املواطنة الجديدة في مدن امللح. لقد قــرأ الفرنسي املـولـع بـالـروايـة فـي بــدايــات ٠٠٠٢ ليوسف املحيميد «فخاخ الرائحة» الصادرة دائما عن أكت سود للنشر. فكانت الـروايـة السعودية األولــى املتاحة في فرنسا منذ نشر الـحـزام فـي عــام ٠٠٠٢ مـن قبل أحمد ابــو الـدهـمـان واملكتوبة باللغة الفرنسية، فكانت هـذه النصوص األولــى املترجمة أو املكتوبة مباشرة باللغة الفرنسية تتشكل وعينها على الشكل الجديد للمجتمع، بعضها مرحبا وبعضها متوجسا، وأيا يكن فقد كانت الرواية أقدر من الشعر على تشكيل هذا القلق، فالرواية ابنة التحوالت االجتماعية، وليست نصًا مغلقًا على ذاتها. منذ ظهور الرواية في تاريخ األدب السعودي، فرضت نفسها في سياق جدلي، حيث بالكاد ألحقت بجنس األدب، ولم تثر الـــروايـــة الـكـثـيـر مــن االهــتــمــام، مــقــارنــة بـمـا كـــان يــعــرف آنذاك بديوان العرب وهو الشعر. ولكن املنعطفات التاريخية التي مر بها األدب السعودي دفعت إلى إعــادة تشكل الـروايـة، سـواء من حيث الشكل أو املضامني. فالرواية ولدت مع تأسيس الدولة في فترة كانت فنًا غائبًا في ظل هيمنة الشعر، مثلما يشير إلى ذلك الدكتور حسن النعمي األستاذ الناقد في السردية املعاصرة بجامعة امللك عبدالعزيز فـــي كــتــابــه رجــــع الــبــصــر «قـــــــراءات فـــي الــــروايــــة السعودية»، والصادر عن النادي األدبي الثقافي بجدة. واستمرت الرواية تخط طريقها مع بداية ستينات القرن، مع مشروع التحديث الذي بدأ يتسرب للمجتمع. ويشير الدكتور حسن النعمي فـي قــراءاتــه لبدايات إلى مراحل مهمة شكلت كل مرحلة منها قفزة نوعية في مسار السرد السعودي بدءا من الثمانينات، إذ تشكلت الرواية مع ما صاحب املجتمع من تحول، وسمه الدكتور النعمي بـمـا أســمــاه تـشـكـل الـــروايـــة مــن «حـــد الـكـفـايـة إلـــى فيض الـطـفـرة ومــا صاحبها مــن تـغـيـرات اجتماعية عميقة»، ثم يصل إلـى منتصف التسعينات وبـدء األلفية الثالثة، حيث تجاوبت الـروايـة مع الهزات العنيفة التي أصابت املــجــتــمــع. ويــضــيــف الــنــعــمــي: «فـــحـــرب تــحــريــر الكويت وانفتاح املجتمع بفعل الفضائيات واإلنترنت، وحادثة الـــ11 من سبتمبر كـان لها التأثير الخطير على تشكيل الرواية فنًا وموضوعًا ورؤية». وإذا كـــان الـنـعـمـي يـثـيـر مــســألــة الــتــحــوالت فــي الرواية الــســعــوديــة، وبــدايــاتــهــا، فــقــد اتــجــه املــهــتــمــون بالرواية الـسـعـوديـة ســواء العربية أو املترجمة ومنهم املحاضر في جامعة باريس الرابعة، واملختصر في األدب العربي املعاصر ريريك غوتيه إلى القول إن منذ أوائل التسعينات تغير وضــع الـسـرد فـي املشهد الثقافي الـسـعـودي، حيث أصبح الكثير من املراقبني في املشهد األدبــي يتساءلون عن هذا التحول الـذي بدأ يطرأ على النصوص السردية السعودية، والتي أصبحت تجذب االهتمام من الصحافة والنقاد وغيرهم. وإذ يذهب املختصون ملرحلة التحوالت في املشهد الثقافي السعودي، الذي بدأ يثير اهتمام املختصني والقراء ودور النشر على حد سواء. ويجمع الباحثون العرب والغربيون أن مرحلة التحوالت فــي الـنـصـوص الــســرديــة الـسـعـوديـة أو مــا اصـطـلـح على تـسـمـيـتـه بـــروايـــة الــتــحــوالت الــتــي بــــدأت بـــروائـــع غازي القصيبي وعبدالرحمن منيف وتركي الحمد وعبده خال في منتصف التسعينات، حيث ارتبط مشروعهم الروائي بمواضيع استلهمت من الواقع وحركت الرواكد األدبية واســتــثــارت املــجــتــمــع، رغـــم أن تــلــك اإلصـــــــدارات واجهت الـكـثـيـر مــن الـصـعـوبـات املـرتـبـطـة بـالـنـشـر وأخــــرى تثير الكثير من الجدل حول شرعية الكاتب كما في ذلك النوع. وهكذا تبقى كتابة الرواية مرتبطة بعدد من التحديات التي تفرض على الكاتب بحثا عن االعـتـراف. واستطاع النص السعودي أن يصل إلــى الـقـارئ الغربي مـن خال الترجمات سواء إلى الفرنسية أو اإلنجليزية أو اإلسبانية واألملـانـيـة، لم يتنبه الـقـارئ والناقد الغربي لـروائـع تلك األعمال إال في شقها الجريء في الخوض في مساحات محظورة على مجتمع محافظ، ولم تقرأ تلك النصوص املترجمة ضمن سياقات وجدت فيها على ضوء التحوالت االجتماعية والتاريخية التي أحاطت بتلك النصوص. فاملترجم فيليب ميشكاوسكي يـرى أن الـقـارئ الفرنسي والـــفـــرنـــكـــوفـــونـــي بــشــكــل عــــــام، غــالــبــا مــــا يــســتــقــبــل تلك النصوص ضمن سياق يحمل الكثير من األفكار املسبقة. وبـالـفـعـل، وبـاسـتـثـنـاء املتخصصني فــي ســرديــات األدب املعاصر من الفرنسيني والغربيني، لم يتمكن سوى عدد قليل جدا من دراسة أسماء قليلة من املؤلفني السعوديني، ناهيك عن القراء ة لهم، على غرار عبدالرحمن منيف، الذي ترك إرثا أدبيا ترجم ودرس في الجامعات الفرنسية التي تناولت مـدن امللح في كثير من الـدراسـات واألبـحـاث في جانبها الجمالي، السردي والفني. كما استطاع اسم آخر في سماء األدب السعودي أن يدخل مـــدرجـــات الــجــامــعــات الــفــرنــســيــة واملــعــاهــد وهــــو غازي القصيبي الـــذي كــان مــن بــني أول مــن رحــب رفـقـة الناقد الــســعــودي عـبـدالـلـه الــغــذامــي بـظـهـور مــوجــة جــديــدة من األدب الشبابي الذي خاض في تيمات أدبية، غيرت مسار الحركة السردية في السعودية واستقطبت اهتمام دور النشر األوروبـيـة والفرنسية على وجـه التحديد للبحث عن نصوص جادة من أجل الترجمة.
أدباء شباب يغيرون بوصلة السرد السعودي
إن الرواية ال تركن للقوالب الجاهزة من املوضوعات، بل ترصد وتسائل وتنتقد. فليست نصًا جامدًا، أو نصًا تابعًا، لكنها ال تتخلى عن االستفادة من التحوالت التاريخية بما يسمح لها إظهار شخصيتها. وبسبب هذه النزعة في مسيرة الرواية السعودية تتجدد موضوعاتها وأساليبها بــمــا يــبــرهــن عــلــى نــمــوهــا فـــي ســيــاق تــجــربــة التحوالت التاريخية، لذلك تستقطب اليوم الكثير من االهتمام من قبل دور النشر الغربية، التي تختار من أهـم النصوص الــتــي تــحــاكــي الــحــيــاة والــــواقــــع، ويــتــفــق املــخــتــصــون في الثقافة الفرنسية أن الحريات التي يحاول تكريسها أبطال النصوص األدبية غالبا ما تعتبر مبالغا فيها، بل تعتبر تجديفا محكوما بكليشيهات سائدة عن اململكة العربية السعودية. لـقـيـت نــصــوص الـقـصـيـبـي تـرحـيـبـا ودراســـــات مـهـمـة في فرنسا، ومثلما تلقفت نصوصة دور النشر اإلنجليزية، اهتمت دور النشر الفرنسية على غرار آكت سود ولوساي بروائع الكاتب والشاعر والدبلوماسي غـازي القصيبي، مثل (شقة الحرية) التي تحكي سنوات تكوين مجموعة من الطاب السعوديني في مصر جمال عبدالناصر. وقــد قــال الـكـاتـب آرنـــو بـرتـيـنـا خـــال خـطـابـه االفتتاحي للحلقات األدبـيـة حـول غــازي القصيبي: «إن األدب يقوم على حلم ترجمة الكلمات املفعم بالحياة وتفكير الناس الذين ينطقون بالكثير من األشياء عن حياتهم الواقعية دون إثارة الجدل من أجل الجدل».
الرواية السعودية أزاحت النقاب عما يشوب صورة املجتمع
احلركة السردية السعودية استقطبت اهتمام دور النشر األوروبية