الوالدية املنفصلة «األم الوحيدة»
قـالـت بنبرة حزينة «لـقـد كنت األم الوحيدة في امللعب» عبارة باحت بها جارتي العربية حــني عــودتــهــا مــن مــشــاهــدة مـــبـــاراة لطفلها، تــحــدثــت كــيــف تـــوافـــد األهــــالــــي الــبــريــطــانــيــون األم واألب ممسكني بأيدي أطفالهم، وكيف حضرت العديد من السيدات الـعـربـيـات واآلســيــويــات بشكل عــام لـوحـدهـم مــع أطفالهم، األسر البريطانية باملجمل لديها تماسك أسري تراه بالعني املجردة بل ال يقدم الفرد منهم على إقامة «مشروع األسرة» إال بعد تفكير وتأمل، لهذا غالبا ما ينجح، وتراهم يصلون لسنوات من العشرة والتآلف، وهذا بالحقيقة خالف ما يروج عن نمط األسرة الغربية والذي أعتبره مجرد هراء وادعاءات غير واعية، فالسنوات الخمس التي قضيتها هنا جعلتني أتنبه لهذا النمط األســري غير الصحي والــذي قـد نمارسه بوعي أو دون وعي. نعم هناك عدد كبير من السيدات وحتى الرجال يمارسون أبوتهم وأمومتهم بشكل منفصل أو كما يسمونهم بالغرب «سـنـقـل بـيـرنـت أو أب عـــازب وأم عــازبــة» إن صــح التعبير، وتعني باملجمل عندما يتولى أحد الوالدين مهمة التربية بـشـكـل كــامــل ســـواء بــحــدوث طـــالق أو ألي سـبـب اجتماعي أو اقتصادي آخـر، وأقصد هنا التربية الفعلية والتواصل املادي وليس فقط «مصروف الصغار» وال حتى توفير املأكل واملـشـرب، التربية التي أقصدها هنا توفير الحب وتوفير الــوقــت، لـحـظـات االحــتــضــان واالعــتــنــاق حــني عــودتــهــم من املدرسة وسماع قصصهم الشيقة واملشاغبة. عــنــدمــا تــتــربــى فـــي مــنــزل دافــــئ تــــدرك مـــع الـــزمـــن صعوبة وعمق ما قدمته لك أسرتك، تتعجب كيف سقط أطفالنا من أحضاننا إلى أحضان الخادمات، كيف رافق السائق طفلك لـبـاب مـدرسـتـه، وحـمـل لــه حقيبته، هــل هــذه فعال الوالدية التي نحيا ألجلها؟ ما بالنا أصبحنا نعيش نصف حياة! لألسف أن نمط الوالدية املنفصلة في ازديــاد سـواء كان مع انفصال رسمي معلن أو انفصال عاطفي غير معلن، من املهم التنبه لهذا األمر والذي يجعلك تتساء ل من سيعلق الجرس؟ هل هي املــرأة التي تنازلت عن فرصتها في أن تحيا حياة طبيعية مع شريك مقدر لوجودها، أم هو ذلك الرجل الذي فرط في لحظة طفولة يشاركها مع أطفاله، بل حتى الرجال قد ينخرطون في ذات األلــم النفسي بسبب االختالفات مع الزوجة، وال أقول هنا حتى من باب االستنكار النفسي لأللم لدى الرجال بل ألقول إن التحامل على اآلباء ال يقل قسوة عن التحامل على األمهات. وقــد أسـمـيـت هــذا الـنـمـط األســـري بـالـوالـديـة املنفصلة ألنه كــذلــك وهـــو نــمــط مــســكــوت عــنــه، فـالـجـمـيـع يــتــحــدثــون عن الطالق متجاهلني ما حـدث قبله وكيف حـدث، فالكثير من السيدات تفضل االحتفاظ بالزواج الصوري أو الورقي كي تحفظ استقرار أسرتها، لكن ملـاذا ال نعالج ما قبل هـذا من رفــع الــوعــي لــدى الجنسني وإعــــادة الـنـظـر بمفهوم الزواج مــن مــفــهــوم «بــيــولــوجــي اجــتــمــاعــي بــحــت» هــدفــه اإلنجاب والبريستيج، إلى مشروع تنموي واقتصادي حقيقي؟ هنا ســيــدرك الــرجــل أنــه بـحـاجـة إلــى شـريـكـة واعــيــة تعينه على هذا املشروع، وتـدرك الفتاة أنها بحاجة لشريك واع وداعم ومــؤمــن بـهـا، شريكني لديهما أهـــداف واضــحــة ومنطلقات عقالنية رصـيـنـة ال مـجـرد احـتـيـاجـات مــاديــة بـالـيـة تجعل حياتهما في مهب الريح. الــتــحــدي اآلن يـقـع عـلـى وعـــي املـجـتـمـع وأيــضــا عـلـى وزارة العمل والتنمية االجتماعية والتي تبذل جهودا رائعة بال شك في متابعة الشأن األسري، لكن ينقصنا بالتأكيد برامج نوعية في التوعية والدعم ملثل هذه القضايا، والتي أخشى إن زادت قد تكون نــواة لحدوث خلل اجتماعي محتمل قد تصعب معالجته إن تفشى، وربـمـا تكون لـه تبعات أمنية واردة، فــاألســرة هــي الــقــوة الـتـي بقوتها تـقـوم املجتمعات واللبنة األساسية فـي أي كيان مجتمعي، وهــي فـي قوتها تشبه قــوة الـهـويـة فــي تأثيرها بـالـفـرد، فـالـفـرد دون هوية محددة ال يستطيع معالجة أهدافه، كذلك الفرد بدون أسرة مستقرة أو بيئة حاضنة سيضعف ويتأثر مع الزمن، حقيقة مهما كانت قوتنا النفسية في نهاية اليوم فنحن بشر وال تسكن نفوسنا إال بالرحمة واملودة.