Okaz

الوالدية املنفصلة «األم الوحيدة»

- أريج الجهني * areejaljah­ani@gmail.com

قـالـت بنبرة حزينة «لـقـد كنت األم الوحيدة في امللعب» عبارة باحت بها جارتي العربية حــني عــودتــهـ­ـا مــن مــشــاهــ­دة مـــبـــار­اة لطفلها، تــحــدثــ­ت كــيــف تـــوافـــ­د األهــــال­ــــي الــبــريـ­ـطــانــيـ­ـون األم واألب ممسكني بأيدي أطفالهم، وكيف حضرت العديد من السيدات الـعـربـيـ­ات واآلســيــ­ويــات بشكل عــام لـوحـدهـم مــع أطفالهم، األسر البريطانية باملجمل لديها تماسك أسري تراه بالعني املجردة بل ال يقدم الفرد منهم على إقامة «مشروع األسرة» إال بعد تفكير وتأمل، لهذا غالبا ما ينجح، وتراهم يصلون لسنوات من العشرة والتآلف، وهذا بالحقيقة خالف ما يروج عن نمط األسرة الغربية والذي أعتبره مجرد هراء وادعاءات غير واعية، فالسنوات الخمس التي قضيتها هنا جعلتني أتنبه لهذا النمط األســري غير الصحي والــذي قـد نمارسه بوعي أو دون وعي. نعم هناك عدد كبير من السيدات وحتى الرجال يمارسون أبوتهم وأمومتهم بشكل منفصل أو كما يسمونهم بالغرب «سـنـقـل بـيـرنـت أو أب عـــازب وأم عــازبــة» إن صــح التعبير، وتعني باملجمل عندما يتولى أحد الوالدين مهمة التربية بـشـكـل كــامــل ســـواء بــحــدوث طـــالق أو ألي سـبـب اجتماعي أو اقتصادي آخـر، وأقصد هنا التربية الفعلية والتواصل املادي وليس فقط «مصروف الصغار» وال حتى توفير املأكل واملـشـرب، التربية التي أقصدها هنا توفير الحب وتوفير الــوقــت، لـحـظـات االحــتــض­ــان واالعــتــ­نــاق حــني عــودتــهـ­ـم من املدرسة وسماع قصصهم الشيقة واملشاغبة. عــنــدمــ­ا تــتــربــ­ى فـــي مــنــزل دافــــئ تــــدرك مـــع الـــزمـــ­ن صعوبة وعمق ما قدمته لك أسرتك، تتعجب كيف سقط أطفالنا من أحضاننا إلى أحضان الخادمات، كيف رافق السائق طفلك لـبـاب مـدرسـتـه، وحـمـل لــه حقيبته، هــل هــذه فعال الوالدية التي نحيا ألجلها؟ ما بالنا أصبحنا نعيش نصف حياة! لألسف أن نمط الوالدية املنفصلة في ازديــاد سـواء كان مع انفصال رسمي معلن أو انفصال عاطفي غير معلن، من املهم التنبه لهذا األمر والذي يجعلك تتساء ل من سيعلق الجرس؟ هل هي املــرأة التي تنازلت عن فرصتها في أن تحيا حياة طبيعية مع شريك مقدر لوجودها، أم هو ذلك الرجل الذي فرط في لحظة طفولة يشاركها مع أطفاله، بل حتى الرجال قد ينخرطون في ذات األلــم النفسي بسبب االختالفات مع الزوجة، وال أقول هنا حتى من باب االستنكار النفسي لأللم لدى الرجال بل ألقول إن التحامل على اآلباء ال يقل قسوة عن التحامل على األمهات. وقــد أسـمـيـت هــذا الـنـمـط األســـري بـالـوالـد­يـة املنفصلة ألنه كــذلــك وهـــو نــمــط مــســكــو­ت عــنــه، فـالـجـمـي­ـع يــتــحــد­ثــون عن الطالق متجاهلني ما حـدث قبله وكيف حـدث، فالكثير من السيدات تفضل االحتفاظ بالزواج الصوري أو الورقي كي تحفظ استقرار أسرتها، لكن ملـاذا ال نعالج ما قبل هـذا من رفــع الــوعــي لــدى الجنسني وإعــــادة الـنـظـر بمفهوم الزواج مــن مــفــهــو­م «بــيــولــ­وجــي اجــتــمــ­اعــي بــحــت» هــدفــه اإلنجاب والبريستيج، إلى مشروع تنموي واقتصادي حقيقي؟ هنا ســيــدرك الــرجــل أنــه بـحـاجـة إلــى شـريـكـة واعــيــة تعينه على هذا املشروع، وتـدرك الفتاة أنها بحاجة لشريك واع وداعم ومــؤمــن بـهـا، شريكني لديهما أهـــداف واضــحــة ومنطلقات عقالنية رصـيـنـة ال مـجـرد احـتـيـاجـ­ات مــاديــة بـالـيـة تجعل حياتهما في مهب الريح. الــتــحــ­دي اآلن يـقـع عـلـى وعـــي املـجـتـمـ­ع وأيــضــا عـلـى وزارة العمل والتنمية االجتماعية والتي تبذل جهودا رائعة بال شك في متابعة الشأن األسري، لكن ينقصنا بالتأكيد برامج نوعية في التوعية والدعم ملثل هذه القضايا، والتي أخشى إن زادت قد تكون نــواة لحدوث خلل اجتماعي محتمل قد تصعب معالجته إن تفشى، وربـمـا تكون لـه تبعات أمنية واردة، فــاألســر­ة هــي الــقــوة الـتـي بقوتها تـقـوم املجتمعات واللبنة األساسية فـي أي كيان مجتمعي، وهــي فـي قوتها تشبه قــوة الـهـويـة فــي تأثيرها بـالـفـرد، فـالـفـرد دون هوية محددة ال يستطيع معالجة أهدافه، كذلك الفرد بدون أسرة مستقرة أو بيئة حاضنة سيضعف ويتأثر مع الزمن، حقيقة مهما كانت قوتنا النفسية في نهاية اليوم فنحن بشر وال تسكن نفوسنا إال بالرحمة واملودة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia