قوة السيطرة على اإلعالم تنهزم أمام الوطنية

مــــرت أيــــام عــلــى قـضـيـة اخــتــفــاء جــمــال خـاشـقـجـي الــتــزمــت فيها الحكومة السعودية الصمت كمنهجها السياسي املعتاد في عدم التعقيب حتى تتأكد من الدالئل والبراهني ثم تقول بعدها كلمة املوقف، مقابل هذا تخبطت بعض الدول في تصريحاتها ووسائل إعـالمـهـا نحو القضية حتى فـقـدت أعصابها ومصداقيتها في تصريحاتها املهتمة بالقضية. وفي الحقيقة لم يكن خاشقجي الصحفي أو صاحب الرأي املختلف مع دولته الوحيد الذي اختفى أو غاب أو لنقل غيب ولكن سبقه العديد من الكتاب والسياسيني وغيرهم من كافة دول العالم ممن اختفوا ولم يحدث كل ما حدث من هذا االهتمام العاملي مثل ما حدث مع خاشقجي، ولكن األمر هنا مختلف تمامًا مع الدول التي تـرى في اختفائه فرصة لتحقيق مطامعهم في السعودية سواء االقتصادية أم اإلستراتيجية أم السياسية أم املذهبية وغيرها. ما حدث يذكرني مما قرأته من الخطط السياسية التي كشف عنها نعوم تشومسكي في كتابه «السيطرة على اإلعالم» الكتاب يتحدث عــن الــبــروبــاغــانــدا الــتــي تـعـنـي نـشـر املـعـلـومـات بـطـريـقـة موجهة أحــاديــة املــنــظــور وتــوجــيــه مـجـمـوعـة مــركــزة مــن الــرســائــل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من األشخاص. كشف الـكـتـاب عــن الطريقة األخـالقـيـة اإلعـالمـيـة املـشـوهـة بحيث يسلط اإلعالم الضوء على األعداء وعلى اإلرهاب وقصص االختالق وصناعة املؤامرات للضغط على الدولة املستهدفة وإقحامها في حـــروب ونــزاعــات تجعلها سهلة االســتــســالم عـنـد طــرح املطالب، باإلضافة إلى أنه تناول دور وسائل اإلعالم في تضليل الجماهير وتوجيههم مع ما يستهدفونه منهم، وكيف يتم إخفاء املعلومات بل التعامل مع أي ثورة ضد هذا النمط الفاشي. الوسيلة التي طرحها تشومسكي في الطرق التي تتبعها الدول في توجيه الـرأي العام والسيطرة على األحـداث من خالل اإلعالم هي نفسها الوسيلة التي استخدمها اإلعــالم املـعـادي للسعودية عـبـر الـتـحـكـم اقـتـصـاديـا فــي وســائــل إعــالمــيــة عـاملـيـة جماهيرية تطرفت إلــى بـث معلومات بــدون دالئــل وبــراهــني وكأنها حقيقة مطلقة واستخدامها كقوة وسيطرة نووية من نوع آخر للضغط على الدولة السعودية وإخضاعها ملصالحهم، ولكن الواقع صدم أصحاب هذه الوسيلة التي جاء ت مكشوفة عند الشعب السعودي والجماهير السعودية التي واجهت هـذه القوة برفض السيطرة عليها من خالل رهان الوطنية، فقد أثبت الشعب السعودي وعيه بمخاطر األسلحة اإلعالمية. املواطن السعودي منذ انطالق الحرب الشرسة اإلعالمية على بالده أثبت أن قوة االنتماء الوطني والوعي بدور املواطنة أقوى من قوة أي تيار فكري سلطوي يواجهه، انهزامية سلطة إعالم اآلخر أمام املواطن البسيط الذي ال يملك سلطة غير وجدانه وتعلقه بوطنه فيها داللة واضحة على أن الوطنية هي املنهج الذي لن يهزمه أي تيار آخر كما حدث مع القومية العربية التي لم تستطع التصدي للتيارات الداخلية وقتها وانهزمت أمامها. * كاتبة سعودية