ثقافة التدوين
أتمنى من مؤسساتنا التعليمية تنمية ثقافة التدوين لدى الطلبة، فقد حاولت مع أبنائي ولم أنجح إال بشكل جــزئــي، وذلـــك لـغـيـاب بنية هــذه الـثـقـافـة عــن مفاصل مــشــهــدنــا االجــتــمــاعــي، الـــيـــوم تـضـيـع تـــجـــارب وسير وأحــداث تاريخية ألنها تبقى حبيسة الـصـدور، وكل الـذيـن مــروا بتجارب حياتية وتاريخية هامة تغيب هذه املعلومات الهامة مع غيابهم. في الغرب نالحظ في األفالم واملسلسالت، وخصوصًا فــي قــصــص الــجــريــمــة، أن املـحـقـقـن يــحــرصــون على الــتــنــقــيــب فــــي الـــدفـــاتـــر الــيــومــيــة لــلــضــحــيــة خاصة الصفحات األخيرة منها لعلهم يجدون بن السطور -في املواعيد واألسماء واملناسبات- بداية خيط لكشف مالبسات هذه الجريمة أو تلك، وهو ما يعكس تفشي الكتابة العفوية لدى تلك املجتمعات، وإخـراج ما في صــدورهــم عـلـى الــــورق وهـــذا مــا يـتـم عـــادة كأسلوب حــيــاة، حـتـى لــو كـانـت عـلـى هيئة كـلـمـات وخرابيش سريعة.. أعـلـم أن الـكـتـابـة الــورقــيــة آخـــذة بـالـتـحـول التدريجي نحو فــضــاءات التكنولوجيا الرقمية مثل املدونات اإللكترونية وبقية عائلة منصات التواصل االجتماعي إال أن السير الذاتية وتراكم الثروة املعرفية يصنع ثراء معرفيًا وهو تدوين لحركة املجتمع وضبط إليقاعها وهــــذا لــأســف أمــــر لــيــس لـــه وجــــود فـــي مجتمعاتنا عموما. ففي املجتمع السعودي كما هو في الوطن العربي ال تجد تدوين لـ life style أو نمط الحياة من قبل أصحاب مدونات يهتمون بفن العيش مثال، مع أن هذه الثقافة انتشرت في الغرب والشرق وبشكل ليس له مثيل. جلست بجوار أحد األجانب فرأيته منهمكًا في الكتابة وهـزنـي الفضول ملـا يكتب، فتحرشت بـه على كرسي الطائرة فقال أنـا مــدون «اليــف ستايل» سفر وتسوق وطعام وشراب وأنقل كل تجاربي لآلخرين. عـجـبـت لــذلــك، فـفـي الـثـقـافـة االجـتـمـاعـيـة الـدفـيـنـة لو سألت أحـدًا وهو قـادم من دبي على سبيل املثال لقال لك أنه قـادم من جـدة، فما بالك وأنـت تطالبه بتدوين أين يذهب وماذا يأكل ويشرب .!!