الفكر سر النجاح
اشتغلت منذ سنوات عدة بمشكلة الفكر ألنها في اعتقادي هي سبب رئيسي لحالة سبات ونوم األمـة وتخلفها، ألنه إذا تــردى أو غاب الفكر أو دخل في غيبوبة مؤقتة أو دائمة فلن يستقيم الجسد أو يعمل حتى ولو كانت أطرافه وأعضاؤه شابة يانعة صغيرة. الفكر مسألة وقضية وجـوديـة فالفرق بن أمريكا الالتينية وأمريكا الشمالية، أن من أسس ألمريكا الشمالية وبالتحديد من أسـس للواليات املتحدة رجــال آمنوا بالعقل، فقد اعتمد املؤتمر املنعقد فـي الـرابـع مـن يوليو مـن عــام م1776 وثيقة اسـتـقـالل املـسـتـعـمـرات األمـريـكـيـة األصـلـيـة الــثــالث عـشـرة عن بـريـطـانـيـا الـعـظـمـى، أخـــذت بـالـعـقـل واحـــتـــرام الـفـكـر وحرية التعبير كـمـا قـامـت حـركـة ديـنـامـيـكـيـة تـقـدمـيـة فــي عــام ألف وثـمـانـمـائـة وتـسـعـن، تـهـدف إلــى رفــع املـسـتـوى الـوطـنـي في املجاالت اللوجستية التي تحتاجها البالد كالتعليم، والطب، والصناعة، باإلضافة إلـى إصـالح املؤسسات العامة. هـذا ما جعل أمريكا تصبح القوة العظمى في العالم فيما بعد. االزدهـار والتطور والنمو ال يكون نتاج ثروات باطن األرض بل نتاج الفكر الذي يسخر أضعف اإلمكانيات لصالحه. فهذه اليابان تكاد تكون أفقر بالد العالم في املوارد الطبيعية، ومع ذلك فقد استطاعت بالعقل والعمل الجاد أن تصبح من أوائل الـقـوى االقتصادية فـي العالم وبالتحديد حاليًا ثالث أكبر اقتصاد في العالم. روانـــدا البلد اإلفـريـقـي الــذي مزقته الــحــروب األهـلـيـة عندما أعـادت الفكر الجماعي بالتعليم والتسامح ونسيان املاضي خـــرجـــت مــــن دائـــــــرة الــفــقــر واملـــــــرض والـــجـــهـــل إلـــــى التنمية واالزدهار. عندما يعطل الفكر الجماعي تقف عجلة التنمية واالزدهار، ويقول الفيلسوف جولد تسيهر «نحن ال نستطيع نكران أنه كان لنشاط املعتزلة نتيجة نافعة، فقد ساعدوا في جعل العقل ذا قيمة حتى في مسألة اإليمان» فقد كان ملدرسة الرأي على وجه العموم دور هام في إشاعة حرية التفكير، والعقل. حتى حــوربــت بـالـحـديـد والــنــار وإحــــراق كتبهم ابــتــداء مــن مجيء الـخـلـيـفـة الـعـبـاسـي املــتــوكــل حـيـث بـــدأ أفــــول وغــــروب شمس الحضارة اإلسالمية. حلول املشاكل التي تعتمد على الوفرة في املوارد، هي حلول زائفة، فالحلول الحقيقية هي التي تعتمد على األفكار وليس األشــيــاء أو األشــخــاص فــاألشــيــاء واألشــخــاص زائــلــون، وأما األفـكـار فباقية تالدة دائـمـة، فهذه أملانيا خرجت من الحرب مقسمة ومــدمــرة، ولـكـن بـاألفـكـار عـــادت مــزدهــرة. فالفقر في الحقيقة هو فقر الفكر وليس فقر األشياء، وفقر الفكر أخطر فقر تعرفه البشرية يتجلى ويظهر في صورة بشعة ثالثية املكون، فقر، وجهل، ومرض كحلقة دائرية املحتومية واالستمرارية ال يمكن الخروج منها إال بعودة الوعي ورجـوع العقل والفكر، ليأخذ دوره في إعادة األمور إلى نصابها الصحيح. فعندما تـمـوت الكلمات وتنتحر املفاهيم وتضيع املعاني ويـصـبـح الــحــوار رأيـــا واحــــدا وتـصـبـح املــعــرفــة هــي القناعة بالجهل.. يكون الفكر منغلقًا والعقل في سبات ونوم عميق. * مستشار قانوني