احملاكم؛ عيادات لإلنقاذ!
حدثني صديق كـان قبل سنوات مبتعثًا لتحضير درجــة الــدكــتــوراه فـي بريطانيا أنــه حضر ذات عام مـحـاكـمـة لــزمــيــل لــه مـبـتـعـث مـثـلـه اشــتــبــك باأليدي مــع شــخــص آخـــر بــريــطــانــي الـجـنـسـيـة، فــشــكــاه ذلك الـشـخـص إلــى املـحـكـمـة، فحضر صـديـقـي املحاكمة يشد من أزره معنويًا بعد أن وفر هو وزمالء آخرون لزميلهم املتهم محاميًا معروفًا، وقد انتهت القضية بـــســـالم بــعــد أن عــالــجــهــا املــحــامــي بــمــرافــعــة ذكية مركزيتها عـلـى أن اخــتــالف الـثـقـافـات بــن املبتعث وبـن جــاره جعله يمد يـده عليه، فقبل القاضي ما جاء في املرافعة وطلب من املبتعث أن يعترف بأنه مذنب مع دفع غرامة قدرها مائتا جنية إسترليني ليطلق سراحه من أول جلسة. ويقول ذلك الصديق إنه رأى خالل حضوره املحاكمة عـــيـــادة إســعــافــيــة صــغــيــرة فـــي ركـــن مـــن أركـــــان تلك املحكمة، فسأل املحامي عنها وعـن سبب وجودها فقال له: إن بعض املتخاصمن الذين يمثلون أمام القضاة في قضايا مالية أو اجتماعية أو جنائية قد يكون منهم مرضى بالضغط أو السكري أو القلب فـــإذا تــوتــرت أعـصـابـهـم أو صــدمــوا بـحـكـم قضائي لم يكونوا يتوقعونه من حيث الشدة أو املــدة، فقد يدخل بعضهم فـي حالة إغـمـاء أو ضيق تنفس أو انهيار عصبي ويكون الـواحـد بحاجة إلـى إسعاف أولـــــي إلنـــقـــاذ حــيــاتــه ريــثــمــا يــتــم اســتــدعــاء سيارة اإلسـعـاف لنقله إلـى املستشفى فيقوم العاملون في تلك العيادة بذلك الواجب، وهم في العادة ال يزيدون عن طبيب عام وممرضة وبعض اإلسعافات األولية، ولكن تدخلهم إلنقاذ املتهمن في املحكمة قد يكون لــه دور إيــجــابــي فــي إنــقــاذ حـيـاتـهـم «ومـــن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا». وبــنــاء عـلـى مــا تـقـدم فــإن صـديـقـي املبتعث السابق الـدكـتـور حاليًا يــرى أنــه يمكن لـــوزارة الـعـدل توفير هذه الخدمة اإلنسانية في املحاكم العامة والجزائية املوجودة في مدن ومحافظات البالد، السيما أنها لن تكلف الوزارة مبالغ كبيرة لقاء توظيف طبيب عام مع ممرض، خاصة مع توفر الخريجن الذين ال يجدون عمال ويعمل بعضهم مـن طبيب أو ممرض بأجور زهــيــدة فــي املستوصفات الـخـاصـة، فتستحدث لهم وظائف ضمن كادر وزارة العدل ويعلن عنها ليتقدم لـهـا الــراغــبــون فــي شغلها مــن األطــبــاء واملمرضن، ولعل مجلس الشورى يدرس هذه الفكرة ويرفع عنها بعد دراستها ليكون فيها ما ينفع البالد والعباد.