«الفيومي» والعزف على اللحن اإلنساني
أمـــر الــلــه نــوحــا بـصـنـع الــفــلــك وحــمــل زوجني اثـنـني مــن املـخـلـوقـات، املـخـلـوقـات تسير جميعها على نفس اللوح وتصعد نفس السفينة وتتقاسم نفس القوت وتصارع نفس األحداث والخوف، ببساطة لقد تقاسمت الحياة واملصير نفسه دون تفريق. إذًا متى تـجـرأت هــذه الكائنات على اخـتـاق قـانـون الطبقية والتصنيف ومقاضاة بعضها على وفق ذلك؟ واملــؤســف أن أكـثـر املخلوقات ممارسة وانـصـهـارا فـي قانون الطبقية هو اإلنسان. إن املجتمعات تتفاوت في ذلك حسب ثقافتها ووجود أصوات تنادي وسط هذه الجموع املتقاتلة على أساس عرقي وديني بـــضـــرورة احـــتـــرام الــحــقــوق املــشــتــركــة والــحــاجــة إلـــى العيش بسام.. في طفولتي.. في هذه املرحلة املهمة التي تتجلى فيها صفات املحبة والفضول كنت أحتار حني أرى وأســمــع قـوامـيـس التصنيف لبعض أفراد املـجـتـمـع الــذيــن نـتـقـاسـم مــع أطــفــالــهــم البراءة والــطــفــولــة ونــقــتــات نــحــن وإيـــاكـــم عــلــى حاوة الطفولة. ال تـفـرقـنـا ألــــوان وال تـبـاعـد بيننا ألــقــاب ألننا نــعــرف بـعـضـنـا بــاألســمــاء املـــجـــردة والطفولة الخام.. كــنــت أســمــع بــعــض املـصـطـلـحـات الــتــي ال أدرك مـدلـوالتـهـا بـشـكـل بــني ولـكـنـنـي كـنـت أشــعــر بـمـقـت نـحـو تلك األصناف من البشر.. إن الشتائم واأللــفــاظ تكفي ملقتهم.. لـقـد كــانــت ألــفــاظــا متشنجة.. واأللفاظ وعاء خبايا النفوس.. واأللفاظ وعاء خبايا النفوس.. وكــم كــان يشدني بعضها مثل (أنــا أتختم بصانع أي أختم حياتي وشرفي بنكاحه) (أنا أتزوج توار «صانع الفخار») أعرف هذه املهن وأعرف من يقوم بها، لكنني كنت أشعر بنوع انفصام عميق جدا بني عاقة املجتمع بأربابها والتي تبدو صحية ومبنية على احترام ظاهر بينما هناك ازدراء يحظر في محطات حياتية تتعفن فيها األخاق وتفوح منها رائحة بواطن طبقية مقيتة.. إنه لطفل برئ مثل عذاب خاصة وأن أصدقاء اللعب هم أبناء الفخارجي والقصاب وأنا أحبهم.. إنــهــم مــثــل اآلخـــريـــن تــمــامــا.. لــم يـخـضـعـوا لــطــفــرة تطورية تـمـيـزهـم عــن غــيــرهــم. ولـــم يـــرد نــص ربــانــي يـحـرمـهـم من االحترام.. إنــهــم فـــي الـحـقـيـقـة ضــحــايــا الـتـي كـانـت تـوجـه إليهم وهــم غائبون أقــــرب إلـــى لـغـة بـذيـئـة يــؤكــدهــا لـغـة جسد كــمــا كـــان كــنــعــان ابـــن حام ضـــحـــيـــة.. لعن كـــنـــعـــان مــــع أن أبــاه حام هو من اطلع على عورة والده نوح وضحك عليها.. هكذا جاء في النص التوراتي الذي تدخل في صياغته البشر ليشرعوا العنصرية والطبقية.. ونوح هنا هو نفس نوح الذي وضح املعبر إلى السفينة ولم يفرق بني العابرين.. لكن يزج به فيما ال يؤمن به.. سؤال مزعج.. لم ال يقبل زواج القبلية وإن كانت غير جميلة من الصانع الجميل واملكافح والخلوق واملتدين؟ سؤال ملح تتشظى أجوبته أمام البراءة والطفولة واإلنسانية غير امللوثة.. كطفولتي.. قريب من هذه الحالة حال فئة أخرى قديما وهم أبناء اإلماء والـجـواري والذين يحكم عليهم قبليا ببرزخية وحالة أشبه بــمــنــزلــة بـــني املــنــزلــتــني فــهــم لــيــســوا أحــــــرارا كــلــيــا وال عبيدا خلصا، إذ ال يباعون كما يباع املـمـلـوك، لكنهم ال يــتــمــتــعــون بــمــيــزات إخوتهم وأبــــــنــــــاء عـــمـــومـــتـــهـــم مـــــن أبناء القبيلة الخلص (املرددين). إنـــــه مـــحـــرم عــلــيــهــم الـــــــــزواج من بنات العم وتسنم مراكز الشرف فـــي الـقـبـيـلـة وال يـــرثـــون امليراث الشرعي، بل ال يتمتعون بفنجان الــقــهــوة أســــوة بــأبــنــاء العمومة وفـــــي املـــنـــاســـبـــات الــقــبــلــيــة هم مهمشون أو مؤخرون.. وحني تثور خصومة ما بينهم وبني بني العم فــإن أقــرب شتيمة هــي التعيير بــســواده وســـواد إليها (ابن فانة).. وما ابن الفيومية منهم ببعيد هذه الصور املكررة في املجتمعات القبلية والتي سلط طاهر الزهراني الضوء عليها ليست بالجديدة ولكن الجديد هو ما كان في الظال.. ظال الحياة، الحياة التي أوجد منها طاهر جنة ال يحرم دخولها على أحد.. عطية.. ابن الفيومية.. هـــذه الــحــالــة الــبــشــريــة الــبــريــئــة.. الــضــحــيــة.. املـتـصـالـحـة مع الطبيعة، مع النفس، مع القوانني القبلية.. واألخيرة ال ترحم أمثاله حني يحلم بالتساوي مع أبنائها.. ورغم عدم تسامح هذه القوانني إال أنه يبرز من بينها حاالت نـشـاز يظهر فيها االلــتــزام بميثاق الــشــرف..الــشــرف الــذي هو
مــــظــــهــــرقبلي يـــــــتـــــــلـــــــونحسب األم ونسبته