Okaz

«الفيومي» والعزف على اللحن اإلنساني

- أحمد الشيخي *

أمـــر الــلــه نــوحــا بـصـنـع الــفــلــ­ك وحــمــل زوجني اثـنـني مــن املـخـلـوق­ـات، املـخـلـوق­ـات تسير جميعها على نفس اللوح وتصعد نفس السفينة وتتقاسم نفس القوت وتصارع نفس األحداث والخوف، ببساطة لقد تقاسمت الحياة واملصير نفسه دون تفريق. إذًا متى تـجـرأت هــذه الكائنات على اخـتـاق قـانـون الطبقية والتصنيف ومقاضاة بعضها على وفق ذلك؟ واملــؤســ­ف أن أكـثـر املخلوقات ممارسة وانـصـهـار­ا فـي قانون الطبقية هو اإلنسان. إن املجتمعات تتفاوت في ذلك حسب ثقافتها ووجود أصوات تنادي وسط هذه الجموع املتقاتلة على أساس عرقي وديني بـــضـــرو­رة احـــتـــر­ام الــحــقــ­وق املــشــتـ­ـركــة والــحــاج­ــة إلـــى العيش بسام.. في طفولتي.. في هذه املرحلة املهمة التي تتجلى فيها صفات املحبة والفضول كنت أحتار حني أرى وأســمــع قـوامـيـس التصنيف لبعض أفراد املـجـتـمـ­ع الــذيــن نـتـقـاسـم مــع أطــفــالـ­ـهــم البراءة والــطــفـ­ـولــة ونــقــتــ­ات نــحــن وإيـــاكــ­ـم عــلــى حاوة الطفولة. ال تـفـرقـنـا ألــــوان وال تـبـاعـد بيننا ألــقــاب ألننا نــعــرف بـعـضـنـا بــاألســم­ــاء املـــجـــ­ردة والطفولة الخام.. كــنــت أســمــع بــعــض املـصـطـلـ­حـات الــتــي ال أدرك مـدلـوالتـ­هـا بـشـكـل بــني ولـكـنـنـي كـنـت أشــعــر بـمـقـت نـحـو تلك األصناف من البشر.. إن الشتائم واأللــفــ­اظ تكفي ملقتهم.. لـقـد كــانــت ألــفــاظـ­ـا متشنجة.. واأللفاظ وعاء خبايا النفوس.. واأللفاظ وعاء خبايا النفوس.. وكــم كــان يشدني بعضها مثل (أنــا أتختم بصانع أي أختم حياتي وشرفي بنكاحه) (أنا أتزوج توار «صانع الفخار») أعرف هذه املهن وأعرف من يقوم بها، لكنني كنت أشعر بنوع انفصام عميق جدا بني عاقة املجتمع بأربابها والتي تبدو صحية ومبنية على احترام ظاهر بينما هناك ازدراء يحظر في محطات حياتية تتعفن فيها األخاق وتفوح منها رائحة بواطن طبقية مقيتة.. إنه لطفل برئ مثل عذاب خاصة وأن أصدقاء اللعب هم أبناء الفخارجي والقصاب وأنا أحبهم.. إنــهــم مــثــل اآلخـــريـ­ــن تــمــامــ­ا.. لــم يـخـضـعـوا لــطــفــر­ة تطورية تـمـيـزهـم عــن غــيــرهــ­م. ولـــم يـــرد نــص ربــانــي يـحـرمـهـم من االحترام.. إنــهــم فـــي الـحـقـيـق­ـة ضــحــايــ­ا الـتـي كـانـت تـوجـه إليهم وهــم غائبون أقــــرب إلـــى لـغـة بـذيـئـة يــؤكــدهـ­ـا لـغـة جسد كــمــا كـــان كــنــعــا­ن ابـــن حام ضـــحـــيـ­ــة.. لعن كـــنـــعـ­ــان مــــع أن أبــاه حام هو من اطلع على عورة والده نوح وضحك عليها.. هكذا جاء في النص التوراتي الذي تدخل في صياغته البشر ليشرعوا العنصرية والطبقية.. ونوح هنا هو نفس نوح الذي وضح املعبر إلى السفينة ولم يفرق بني العابرين.. لكن يزج به فيما ال يؤمن به.. سؤال مزعج.. لم ال يقبل زواج القبلية وإن كانت غير جميلة من الصانع الجميل واملكافح والخلوق واملتدين؟ سؤال ملح تتشظى أجوبته أمام البراءة والطفولة واإلنسانية غير امللوثة.. كطفولتي.. قريب من هذه الحالة حال فئة أخرى قديما وهم أبناء اإلماء والـجـواري والذين يحكم عليهم قبليا ببرزخية وحالة أشبه بــمــنــز­لــة بـــني املــنــزل­ــتــني فــهــم لــيــســو­ا أحــــــرا­را كــلــيــا وال عبيدا خلصا، إذ ال يباعون كما يباع املـمـلـوك، لكنهم ال يــتــمــت­ــعــون بــمــيــز­ات إخوتهم وأبــــــن­ــــــاء عـــمـــوم­ـــتـــهــ­ـم مـــــن أبناء القبيلة الخلص (املرددين). إنـــــه مـــحـــرم عــلــيــه­ــم الــــــــ­ـزواج من بنات العم وتسنم مراكز الشرف فـــي الـقـبـيـل­ـة وال يـــرثـــو­ن امليراث الشرعي، بل ال يتمتعون بفنجان الــقــهــ­وة أســــوة بــأبــنــ­اء العمومة وفـــــي املـــنـــ­اســـبـــا­ت الــقــبــ­لــيــة هم مهمشون أو مؤخرون.. وحني تثور خصومة ما بينهم وبني بني العم فــإن أقــرب شتيمة هــي التعيير بــســواده وســـواد إليها (ابن فانة).. وما ابن الفيومية منهم ببعيد هذه الصور املكررة في املجتمعات القبلية والتي سلط طاهر الزهراني الضوء عليها ليست بالجديدة ولكن الجديد هو ما كان في الظال.. ظال الحياة، الحياة التي أوجد منها طاهر جنة ال يحرم دخولها على أحد.. عطية.. ابن الفيومية.. هـــذه الــحــالـ­ـة الــبــشــ­ريــة الــبــريـ­ـئــة.. الــضــحــ­يــة.. املـتـصـال­ـحـة مع الطبيعة، مع النفس، مع القوانني القبلية.. واألخيرة ال ترحم أمثاله حني يحلم بالتساوي مع أبنائها.. ورغم عدم تسامح هذه القوانني إال أنه يبرز من بينها حاالت نـشـاز يظهر فيها االلــتــز­ام بميثاق الــشــرف..الــشــرف الــذي هو

مــــظــــ­هــــرقبلي يـــــــتـ­ــــــلـــ­ــــونحسب األم ونسبته

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ?? الفيومي
الفيومي
 ??  ?? احمد الشيخي
احمد الشيخي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia