رحم الله جمال وحفظ الله الوطن

رحم الله جمال خاشقجي، وكم كنا نتشبث باألمل أن نسمع بني لحظة وأخرى أنــه مــا زال حيًا وأن كــل األخــبــار املـسـربـة عــن وفــاتــه غير صحيحة، لكن جاءت الحقيقة املحزنة من خالل البيان السعودي الرسمي الذي كشف تفاصيل الحادثة واإلجراءات التي اتخذتها الدولة بشأنها وهي إجراءات حاسمة، وأوكل للنيابة العامة واألجهزة العدلية التحقيق مع األشخاص املتورطني في الحادثة. هناك نقاط مهمة جديرة بالنقاش بعد البيان الرسمي، أولها أن املتورطني في الحادثة تجاوزوا حدودهم كثيرًا عندما أعطوا ألنفسهم صالحية تنفيذ عملية خطيرة كهذه، وضللوا الدولة واملجتمع والعالم بمحاولتهم التكتم والتغطية على فعلتهم، ما وضع الدولة في موقف غير جيد، وجعلوا الرأي العام السعودي يتبنى معلومة مغادرة جمال للقنصلية ويدافع عنها. هذه خطيئة ال تقل سوءًا عن الفعل ذاته. ثانيًا، لقد وضعت مجموعة املتهمني اململكة في أزمـة كبيرة لم يكن لنا حاجة بها في ظروف بالغة الحساسية والخطورة تواجه فيها اململكة حمالت منظمة وتـربـصـًا وتــرصــدًا مــن جـهـات عــديــدة. لــم تـكـن اململكة أبـــدًا عـبـر تـاريـخـهـا دولة بوليسية تمارس الخطف والتنكيل والقتل ملواطنيها مهما كانت مواقفهم منها وخالفاتهم معها، لكن هذه املجموعة اقترفت سابقة سيئة سوف يتم استغاللها وتوظيفها في مواقف ضد اململكة، رغم تأكيد الدولة أن ما حدث تم دون علمها ورغــم معرفة العالم بــأن اململكة ال تـمـارس هــذا األسـلـوب وليس مـن نهجها أو صفاتها. ثالثًا، ال بد أن تكون هذه الحادثة درسًا مهما إلعادة النظر في مواصفات اختيار بعض املسؤولني في املواقع الحساسة التي تمثل سمعة الدولة والوطن، وكذلك مدى الصالحيات في تلك الجهات وكيفية استخدامها. ال بد من تقديم الشكر للدولة على بيانها وإجراء اتها، لكننا نأمل أن يتم تسريع إجراء ات التحقيق مع املوقوفني على ذمة القضية وإعالن النتائج في أسرع وقت ألن التأخير ليس في صالحنا. كما أنه ال بد من التعامل مع أزمة ما بعد إعالن البيان ـ دبلوماسيًا واعالميًا ـ بطريقة أكثر مهنية وسرعة وذكاء مما تم سابقًا قبل إعالن البيان. رحم الله جمال وحفظ الله الوطن.