معلمات شرق الليث: أغيثونا من رحالت «املوت»
بني أمطار وسيول وطرق وعرة وطويلة، تترامى معاناة املعلمات في قرى شرق محافظة الليث، من كثرة الحوادث وتزايد الوفيات، حتى أضحت التسمية املـازمـة لذلك املـسـار هـي «طـريـق املــوت»، الــذي يجبر املعلمات على سلكه لالتحاق بمدارسهن املتناثرة على طــول الـخـط، أضــف إلى ذلك ما تعانيه تلك املــدارس من مبان مترهلة ومتهالكة، تحمل لوحات غابت عنها العبارات لقدم عمرها. شكاوى وصرخات أطلقتها معلمات تلك القرى، تمثلت حول ما ذكر وغيره من غياب آللية نقلهن إلى مدارس مناطقهن، فتلك التي في أقصى الجنوب تضطر إلى الذهاب ملدرستها في أقصى الشمال والعكس صحيح.. تقول إحداهن: «معانتانا بدأت منذ تم تعيننا في هـذه القرى غير املهيأة، نعاني من عـدم وصــول اإلسفلت للمدرسة، األمــر الــذي سبب لنا مشكات صحية، وحــني تهطل األمطار تتعطل رحلتنا، ما يزيد من مخاوفنا، فمعنى أن يهطل املطر وأنت في تلك القرية أنك ستواجه املوت بنسبة كبيرة». من جهتها، وافقت املعلمة (ن. م) سابقتها وقـالـت: «لعل معاناة املـواصـات هي الهم املــؤرق، ألننا نقطع مسافات طويلة منذ بداية رحلتنا من محافظة جدة إلى محافظة الليث، ومن ثم االنتظار في إحدى االستراحات على طريق الساحل الرابط بــني مـكـة املـكـرمـة وجـــــازان، حـتـى تــأتــي ســيــارات الــدفــع الــربــاعــي وتقلنا ملـدارسـنـا املــوجــودة على سفوح الـجـبـال، فنضظر لعبور أوديــة خطيرة تنقطع أثناء جريان السيول، فتمنعنا من مواصلة رحلتنا». فيما تؤكد أم ســارة أن املعلمة املغتربة التي تقطع يوميا طرقا بالساعات وبدوام متساو مع من تجاور منزلها أو في مدينتها يعد إجحافا، فهي تحتاج حتى تصل إلى مقر عملها ما يزيد على ساعتني إلى 3 ساعات ومثلها فــي الــعــودة ملنزلها، والــتــســاؤل عــن تقدير تلك الــفــوارق ينتظر اإلجابة والـحـل مـن قبل وزارة التعليم، فـي غــاء ثمن املــواصــات الـتـي تتجاوز 2500 ريــال شهريا. وعــن وعـــورة الطريق ومـخـاطـره، تـؤكـد أم ســارة أن حالة معلمة «النائية» تحتاج إلى النظر بعني الرحمة لحالها املؤسف، واألمر اآلخر يتمثل في كثرة الصعوبات أثناء هطول األمطار، فقد يكون في مدينتي أمطار وتعليق الـدراسـة، وال أستطيع الحضور لدوامي في مدينة أخرى فيحسب علي غياب. واستطردت قائلة: «تعاني املعلمات من مواجهة السيول املنقولة وليس لدينا وسيلة مواصات جيدة تساعدنا على عبور األوديـة، فنضطر إلى التوقف على جانب الوادي الذي يفتقر للمواصات أو االتصاالت، وعند العودة للمنزل يكون الوقت متأخرا، ما يضطرنا للغياب في اليوم التالي من التعب والخوف واإلرهــاق، فبعد األمطار والسيول تتضرر الطرق وال نستطيع الذهاب ملدارسنا إال بعد تسويتها التي تأخذ أياما حتى تعود الخدمة، وبذلك ال نستطيع الدوام إال بـعـد فـتـرة إصـــاح الــســيــارة الـتـي تــضــررت، وتتطلب املــزيــد مــن املال للسائق املتضرر، ناهيك عن التوتر والقلق والخوف من أخطار األمطار والـسـيـول والــحــوادث وقـلـق األســـرة واألبــنــاء وهـــدر املـــال عـلـى السائقني وإصاح السيارات وغيرها». ورغم التحفظ الكبير بني املعلمات لخوفهن مــن ســطــوة املـــســـؤول، إال أنــهــن كــن يـتـحـدثـن بـحـرقـة عــن مــعــانــاة الطرق واملـدارس غير املهيئة، وشاهدنا وجوها يملؤها الخوف، ويدفعها أداء الواجب الوطني في تحقيق تطلعات بنات تلك القرى.