اإلعالم ودوره في مكافحة التعصب

التعصب ظاهرة عامة تنطوي على مجاالت واسعة، ويمكن التعبير عــن وجــودهــا فــي اتـجـاهـني أحـدهـمـا إيـجـابـي يمتاز بامليل لتقديم املساعدة واملـودة، واآلخر سلبي -وهو الغالب- يجعل الفرد يتمسك بأفكاره السلبية التي تفرض عليه االبتعاد وعدم التفاعل مع من ال يتفق معهم بـالـرأي، وبحكم أن العالقة بـني املجتمع والـفـرد عالقة ضرورية ليست عارضة، وبما أن التعصب مكتسب وليس غريزيًا، فالتنشئة االجتماعية هي املحور الرئيسي الذي يتشكل فيه السلوك االجتماعي بوجود عامل التأثير املتبادل، وأحد أوجه هذا التأثير هو التعصب. التعصب غير مبرر منطقيًا، ولكن له دور فاعل يقوم به في تحريف اإلدراك والتصورات وتشويهها ضد اآلخرين، وهذا األمر له أسباب ويترتب عليه نتائج، وهي تبدأ غالبًا من سن التمييز لدى الطفل، إذا كان املحيط التربوي ينمي مفاهيم الفروق واالختالفات، ويضع دالالت اجتماعية لهذه الفروق، وبعد اندماج الفرد في الجماعة التي ينتمي لها يصبح مدركًا للجماعات الخارجية بصور سلبية، أي تبدأ دالالت اللفظني «نحن، وهم»، يتبع ذلك االستجابة التي تشير إلى الشعور بالتعالي أو النقص تبعًا للحكم املطلق من قبل املجتمع على الجماعة التي ينتمي إليها. املظاهر تبدأ بالتعميمات والتصنيف والتنميط املفرط لجماعة أو فريق رياضي أو قبيلة...، ويتطور إلى التجريح اللفظي واالنتقاص وتــأديــة الوظيفة التفريغية الـتـي يمكن مالحظتها فــي األحاديث العامة، ما إن يبدأ الحديث عن شخص أو جماعة مختلفة حتى يبدأ الفرد بتنفس شعوره السلبي بإقحامها في مجرى حديثه، فيشجعه الطرف اآلخر باستجابة متوافقة، ثم تأتي املحافظة على هذه املسافة بإثارة النوادر والضحك عليها. يوجد انعكاسات لهذه الظاهرة، على املستوى النفسي للفرد حيث تصبح االستجابة لديه عنيفة تجاه مواقف الحياة التي ال تتفق مع طرحه ورأيه، وهذا يدخله في أزمات التفاعل والصدام مما يتسبب في تحديد عالقات اآلخرين به، وبالتالي سيعيش عزلة اجتماعية، وعلى املستوى االجتماعي فهو يشيع مشاعر الكراهية والعداء وهو ركيزة قامت عليها النزاعات والحروب األهلية كنتيجة لتراكم جميع املظاهر السابقة التي مثلتها األحــداث بمفاهيم التمييز والعدوان والتطهير العرقي. إن دراســــــة الــتــعــصــب تــســاعــد فـــي فــهــم الــســلــوك اإلنـــســـانـــي بداخل املجتمع، ومنها يمكن تحليل الظاهرة وتوجيه عملية التفاعل إلى أوجـه إيجابية في ضوء دالئـل ومعارف منطقية جديدة، بالدعاية اإلعالمية ملواجهته وخطاب الجماهير وتشجيع االتصال واالختالط والتعاون املتبادل، إضافة إلى البرامج التربوية التي تنشط القيم اإليجابية وتعزز املـسـاواة والتفكير املنطقي املحايد، وهــذا يحقق توازنًا اجتماعيًا وهدفًا مشتركًا يرتقي إلى النهضة والتطور.