للفراق وقفة.. فهل نعتبر ؟

قيل لإلمام علي بن أبي طالب: «أهناك أشد من املوت؟ قال: نـعـم؛ فــراق األحـبـة أشــد مـن املـــوت». هــذه الـعـبـارات القليلة والبسيطة لها وقـع في النفس أشـد من املــوت، ألن غالبية البشر يعانون من األمراض النفسية واالكتئاب واالنصراف عن أعمالهم وتوقف االنشراح في مباسط الحياة. إن الفراق مؤلم، وأمله ال يقابله بالشدة إال املوت، وكما يرى اإلمام علي بأنه أشد منه ألنه انقطاع تواصل األرواح الغالية التي تبعث على النفس األمل وتعطيها القوة واملناعة عن أي أوجـاع، ولنذكر هنا في هذا املوقف قصة يعقوب عليه الــســالم عـنـد فــــراق ابــنــه يــوســف عـلـيـه الــســالم وقـصـتـه مع إخــوتــه، حيث تسبب هــذا الــفــراق بانتكاس حـيـاة يعقوب وفقد بصره وما تبعه من أوجاع أخرى، وكذلك فراق اآلباء واألبناء إما بغياب دائم أو منقطع أو موت أو فراق املحبني كفراق الحبيب والزوج عن زوجته والعكس. لو دخلنا املصحات النفسية والعصبية لوجدنا سبب أكثر املصابني واملعطبني بأوجاعهم هـو الــفــراق، يـا لـه مـن ألم ووجع بل موت بطيء خطير أشد من املوت. القصص فـي مثل هـذه املواضيع كثيرة بـل إن مـن يقرأها أو يسمعها قـد يـحـزن لـحـزن صاحبها ويـتـألـم. لــذا أشرت إلى عبارة علي بن أبي طالب ألهـداف تذكيرية قد نغفلها ونفيق على وقـوعـهـا وقــد فــات األوان فهناك أمــور دينية وأخرى عاطفية. فالدين ما دخل في شيء إال زانه وأضفى إليه بهجة وروحا وجماال وبساطة، بل إن املصاب في أي حدث فـراق يخفف عليه الـوجـع واأللـــم إذا طبق التعليمات الدينية وأصبح مؤمنا حقا، واألحاديث كثيرة في هذه املواطن. أما العاطفة فالكثير منا ال يشعر من يحب محبته وإظهارها بل يرى أن إخفاء ها هو الطريق األصوب واألمثل والعكس هو الصحيح، فأخبرنا عليه السالم وبما معناه بقوله: إذا أحببت أحدا فأخبره. كما أن التعلق بالشيء واالرتباط به وبشكل دائم يجب أن ال تلعب العاطفة به وجعل هناك توازن بني العاطفة والواقع. الفراق قد ال يكون أحيانا فراق إنسان إلنسان آخر، بل ربما يـكـون فـــراق إنــســان مـحـب ألرضـــه ووطــنــه فيتخيل جباله وأنـهـاره وشـوارعـه وبسبب بعده وانقطاعه عنه يتألم ألم الفراق الذي تتقطع فيه الروح مئة مرة باليوم، وقد يكون فراقه ألنعامه (خيله وإبله). ولكن يبقى فــراق الــروح للروح وفــراق الوطن بالفعل أشد من املوت.