07 الشرق األوسط اجلديد ﺍﻟﺮﺃﻱ
يمكن اعتبار حديث ولي العهد السعودي األمير محمد بن سلمان في كلمته في مبادرة مستقبل االســتــثــمــار أكــثــر حــديــث إيــجــابــي ومستقبلي تشهده املنطقة منذ أكثر من عشر سنوات. ظــل هـــذا الــوصــف (الــشــرق األوســــط الــجــديــد) مخيفا للغاية، حيث يمثل واحـدًا من أبـرز املشاريع التي ارتبطت بالفوضى والتحالفات املدمرة واالتفاقيات الغريبة التي أضرت باملنطقة وأثـــــارت تــداعــيــات مــا زالـــت آثــارهــا مـسـتـمـرة إلـــى الــيــوم، كان العامل األبرز في سوء تلك النظرية أنها بأكملها كانت قادمة من خارج الشرق األوسط، وكان مجرد مستهدف بها وبكل ما تضمه من خطط وأهـــداف، ولـم تلبث أن تحولت إلـى فوضى عــارمــة كـــادت أن تـــودي باملنطقة لــوال تـلـك األدوار واملواقف الجبارة التي اتخذتها دول االستقرار في املنطقة. الكوارث الكبرى التي آلت إليها نظرية الشرق األوسط الجديد لــم يـحـد مـنـهـا ســـوى دول االســتــقــرار واالعـــتـــدال فــي املنطقة؛ الــســعــوديــة واإلمـــــــارات كــانــت عــلــى رأس تــلــك الــكــيــانــات التي اشتغلت مكائنها الدبلوماسية والسياسية واالقتصادية بل والعسكرية أيضا؛ لوقف تقدم ذلك املخطط الشنيع في الشرق األوسط، وساندت الدولة الوطنية العربية وواجهت كل تكتالت الفوضى وقاومت امليليشياوية والحزبية والطائفية وقاومت كذلك التواطؤ الـدولـي الـداعـم واملتبني لتلك املخططات حتى عبرت املنطقة واحدة من أسوأ املراحل التي عرفتها في التاريخ الحديث. ظلت الــتــوازنــات فــي الــشــرق األوســـط مرحلية ومـؤقـتـة وقلما شهدت املنطقة مشاريع مستقبلية نوعية قادمة من داخلها، لكنها اليوم أحوج ما تكون لتلك املشاريع وأقدر من أي وقت مضى على اإليمان بها واالنطالق في تنفيذها واقعا. لسنوات طويلة ظل الشارع الشرق أوسطي محبطا متراجعا يعيش حالة مـن انـسـداد اآلفــاق وتهيمن عليه أنـمـاط بدائية من اإلدارة والتخطيط ويسيطر الفساد على مختلف أجهزته وتتراجع الطموحات عدا طموحات الهجرة والسفر. وعززت أحــداث الفوضى التي شهدتها املنطقة منذ العام 2011 ذلك الـواقـع املـتـردي. كانت تلك األحــداث أســوأ وصفة للتغيير في العصر الحديث، والدليل األبرز تلك النتائج الكارثية التي آلت إليها األمور في كثير من العواصم العربية. منذ أيــام كـان الشرق األوســط على موعد مع أبــرز وأهــم خطة ملـسـتـقـبـلـه واســتــثــمــار مـــقـــدراتـــه؛ كــــان مـنـطـلـقـهـا ولــــي العهد الــســعــودي األمــيــر مـحـمـد بــن سـلـمـان فــي كـلـمـتـه املـهـمـة التي ألقاها في مؤتمر مبادرة مستقبل االستثمار، املؤتمر الدولي الذي يضم أبرز وأهم التكتالت االقتصادية النشطة في العالم واملؤثرة في تشكيل اقتصاده ومستقبله. لــم يــحــدث أن ســمــع الــشــبــاب الــعــربــي ربــمــا تـخـطـيـطـا ورؤية املستقبل بــهــذا الـتـطـلـع وبــهــذه الــقــوة وأيــضــا بــهــذا املستوى مــن الـطـمـوح الــواقــعــي ألن يــكــون الــشــرق األوســــط هــو أوروبا املستقبل. تقوم هـذه الـرؤيـة الجديدة للشرق األوســط الجديد على عدة عناصر تجعلها مهيأة للنجاح والتطبيق: أول هذه العناصر أنها رؤيـة قادمة من داخـل الشرق األوسط نفسه، وهـذه ربما تكون املـرة األولــى التي يشهد فيها الشرق األوســــط خــطــة ملستقبله مــن داخــلــه تــركــز عــلــى اســتــثــمــار كل عناصر القوة التي لديه وتستثمرها باتجاه املستقبل. مــن عـنـاصـر الــقــوة أيــضــا أن فــي هـــذا الــشــرق نــمــاذج واقعية وحقيقية أشار إليها سمو ولي العهد في حديثه تتلخص في نموذج عظيم كالتجربة التي مثلتها دبي كمدينة عربية شرق أوسطية استثمرت مقدراتها وأوجدت مناخا جديدا وعظيما للحداثة واملدنية والرقي واالقتصاد الجديد. العامل األبــرز يتمثل كذلك في االحتياج الكبير الـذي يعيشه SATURDAY ,OCTOBER, 27, 2018 ,SAFAR, 18,1440 H. No.19054 السبت 18 صفر ـه1440 27 أكتوبر ،م2018 السنة الحادية والستون العدد 19054 www.okaz.com.sa صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة للصحافة والنشر أحمد عبدالغفور عطار عبدالله صالح كامل وليد بن جميل قطان جميـل الـذيـابـي هاشم بركي اجلحدلي فيصل بن فهد اخلماش akamel@okaz.com.sa wjkattan@okaz.com.sa jameel@okaz.com.sa hjahdali@okaz.com.sa falkhammash@okaz.com.sa 3 ذو الحجة 1379 هـ - املوافق 28 مايو 1960 م الشرق األوسط نحو حياة جديدة وتطلع جديد. لطاملا مثلت الرياض وأبو ظبي وغيرها من عواصم االستقرار منطلقا لبناء االستقرار في دول الجوار والحفاظ على الدولة الوطنية العربية، وعليها الـيـوم أن تخطو خطوة أخــرى في الــســيــاق تــخــرج بـهـا مــن الــحــفــاظ عـلـى األمـــن واالســتــقــرار في املنطقة إلــى بـنـاء وتنمية مستقبل املنطقة، وهــو مــا احتفى بـه الــشــارع الـعـربـي خـاصـة أنــه قــادم مـن نـمـوذج لـشـاب عربي قيادي ومنطلق بشغف حقيقي نحو املستقبل وهو ولي العهد السعودي. ظـل الـتـعـاون االقـتـصـادي بـني دول املنطقة متركزا فـي أغلبه على املساعدات واملعونات التي تقدمها الــدول الغنية للدول ذات املستوى االقتصادي األقــل، لكن غياب الرؤية واستشراء الفساد والبيروقراطية كانت عوامل تحد من االستفادة من تلك املعونات، ناهيك عن كونها إجراء مرحليا. يحمل سمو ولـي العهد اليوم رؤيـة تعيد تشكيل تلك العالقة لتخرج مـن الـدعـم واملــســاعــدات إلــى بـنـاء الـشـراكـات التنموية، واستثمار املقدرات الهائلة التي تمتلكها دول املنطقة لتكون قوة حقيقية ملستقبل نحو شرق أوسط جديد نصنعه بأيدينا. * كاتب سعودي