Okaz

تعقيدات الطالق من أوروبا.. هل تعيد «العمال» إلى احلكم بعد طول احتجاب؟

- ياسين أحمد ( لندن ) @OKAZ_online

كوربن.. الوطنيون يرونه أخطر من « بريكست » والصحافة تنعت نائبه بـ « الشيوعي »

العماليون يعولون على أصوات املسلمني والعرب... لكن عالقة كوربن بـ «اإلخوان» تزيد مخاوفهم مقامرة كوربن.. اإلطاحة احلتمية مباي والدعوة النتخابات مبكرة وإجراء استفتاء ثا ٍن ضبابية « العمال » إزاء مغادرة أوروبا واجتاههم إلعادة التأميم ينفران الناخبني البريطانين­ي

الطرف الثاني في معادلة «بريكست» في بريطانيا هو حزب العمال. والحديث عن «العمال» ال بد من أن يقود إلى الحديث عن زعيمهم جيريمي كوربن. وإذا تحدثنا عنه فسنذهب بالضرورة إلى عالقاته الغامضة بجماعة اإلخوان املسلمني في بريطانيا، من خالل صالت مزعومة له بناشطني في حركة املقاومة اإلسالمية (حماس)، التي تمثل فرعًا لإلخوان في غزة. ما موقف حزب العمال تجاه «بريكست»؟ هل هم مثل خصومهم املحافظني منقسمون حيال مسألة خروج بريطانيا من عضوية االتحاد األوروبي؟ وهل لدى العماليني رؤية واضحة تجاه تعقيدات «بريكست» أم أن انحناء رئيس الوزراء املحافظ السابق ديفيد كاميرون ملطالب مناهضي االتحاد األوروبي داخل حزبه، بموافقته على إجراء استفتاء عام 2016، أخذ حزب العمال على حني ِغرة، ومن ثم لم تعد بيدهم املبادرة، وأضحى عليهم أن ينتظروا األحداث لتملي عليهم اتخاذ ردود األفعال؟ يجب االعتراف، بادئ ذي بدء، بأن اإلجابة على جميع تلك األسئلة صعبة جدًا. لكن محاولة اإلجابة عليها حتمية، إذ إن «العمال» هو الحزب الذي يؤيده تقليديًا مسلمو بريطانيا وأقليتها العربية. وفي الوقت نفسه، ال بد من القول إن سياسات الحكومات العمالية ليست على الدوام في مصلحة القضايا العربية، خصوصًا العالقة الخاصة لبريطانيا مع السعودية. وبالطبع يجب أن يستثنى من ذلك التعميم رئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير، الذي يمثل حالة شاذة داخل حزبه نفسه، إذ قاد أول -وقد يكون آخر- حركة تجديد عمالية، عرفت بـ «العمال الجدد» ‪New Labour‬ ، انتهت بإرغامه على االستقالة ملصلحة وزير خزانته غوردون براون. وكتبت لها النهاية باالنتخابا­ت التي جاء ت بديفيد كاميرون، الذي تعتبر وزيرة داخليته رئيسة الوزراء الحالية تيريزا ماي امتدادًا طبيعيًا له. « بريكست :» الرؤية العمالية

يجب التسليم بأن العماليني منقسمون كمنافسيهم املحافظني، بني تيار نيابي يؤيد مغادرة االتحاد األوروبي، وآخر يفضل البقاء. ولكل من التيارين منطقه، وما يجعله يعتقد بـأن ذلـك املنطق يحظى بقبول أوسـع الشرائح الشعبية البريطانية. وبالطبع فإن ذلك يعني أيضًا أن ثمة من ينادون بإجراء استفتاء شعبي ثاٍن، على أمل ترجيح خيار البقاء . غير أن حسابات الزعامة العمالية تختلف في التكتيك، وإن كانت تتفق مع رغبات غالبية نواب الحزب. وبحسب الخطاب الذي ألقاه كوربن أمام املؤتمر األخير لحزبه منذ نحو أسبوع، فإن حزب العمال يعلق أمله الكلي على ما سيسفر عنه مؤتمر حزب املحافظني القادم: إما أن تقدم رئيسة الوزراء خريطة طريق ملغادرة أوروبا بأقل قدر من الخسائر على االقتصاد وأوجه الحياة األخرى، فيقبلها أعضاء الحزب؛ وإما أن تفشل في تقديم تلك الخريطة، وهـو املـرجـح، ألن مفاوضي االتـحـاد األوروبـــ­ي في بروكسل أحجموا عن إبداء أي مرونة في منح بريطانيا الصفقة التي تحلم بها. وفي هذه الحال سيرفض املحافظون سياسة زعيمتهم، ما يعني تلقائيًا حملها على االستقالة. وفي هذه الحال يراهن كوربن وأعوانه على أن تطورًا من ذلك القبيل سيستدعي إما إجراء انتخابات مبكرة، أو القبول بإجراء استفتاء ثاٍن.

كوربن والقابلية االنتخابية

املسألة ليست بهذه السهولة للحكم على فـرص كوربن -وبالتالي حـزب العمال- للفوز في االنتخابات املقبلة، أو أي انتخابات مبكرة ‪Snap Elections‬ ، فقد كان أداء العمال في االنتخابات األخيرة التي فاز فيها املحافظون جيدًا جدًا، إذ نجح العماليون في زيادة عدد مقاعدهم في مجلس العموم (البرملان.) لكنهم بالطبع لم يحققوا الغالبية التي تكفل لهم انفرادًا بالحكم. وطبقًا الستطالعات الرأي، فإن مكاسبهم ستكون مقاربة أو أفضل بشكل طفيف من مكاسبهم في االنتخابات املشار إليها . يعتبر البريطانيو­ن أن األداء االقتصادي وسياساته هو القضية الرئيسية ألي انتخابات عامة. وفيما يسعى املحافظون إلى املضي في السياسات االقتصادية الــتــاتـ­ـشــريــة-الــريــغـ­ـانــيــة، بـمـا تـتـسـم بــه مــن الـتـخـلـص مــن مـنـشـآت الــقــطــ­اع العام (الخصخصة)، والتقشف في اإلنـفـاق الحكومي على الخدمة الصحية الوطنية )NHS(، وإعانات العاطلني، واإلسكان، والتعليم العام والجامعي؛ فإن العمال تقوم شعبيتهم على اإلنفاق بسخاء على هذه املجاالت، حتى لو أدى ذلك إلى االستدانة من صندوق النقد الدولي. ويحاول الرجل الثاني في قيادة الحزب وزير خزانة الظل جون ماكدونيل كسب القلوب والجيوب من خالل خطة تدعو إللغاء تأميم وخصخصة املؤسسات الكبرى، مثل سكك الحديد، وحافالت النقل العام. ويمضي ماكدونيل أبعد من ذلك بوعده أمام مؤتمر النقابات العمالية الذي عقد في 11 سبتمبر الجاري بأن تلزم حكومته العمالية الشركات التي تمت خصخصتها بنقل حصة كبيرة من أسهمها إلى صناديق مالية يملكها العاملون في تلك الشركات. وهــي -بحسب مجلة «إيكونومست»، فـي عددها الــصــادر فــي 21-15 سبتمبر الـــجـــا­ري- فكرة سـويـديـة اقترحتها فـرقـة أبــا Abba الغنائية املــعــرو­فــة فــي 1982، وأقـــامــ­ـت لتمويلها حفلة ضخمة في استوكهولم، وهددت بأنها ستغادر السويد نهائيًا إذا لم تتحقق الفكرة . لكنها نجحت في موافقة الشعب السويدي عليها . ويـــبـــد­و أن ماكدونيل يــحــاول دغــدغــة مـشـاعـر الـشـعـب الـبـريـطـ­انـي من خــالل هــذه الـفـكـرة، وإعـــادة السكك الحديد وحـافـالت النقل العمومي إلى قبضة الدولة . لكن ماكدونيل يواجه مشكلة تعرقل طموحاته، فقد كتبت مجلة «بروسبكت» في عددها لشهر أكتوبر 2018، تحقيقًا جريئًا على الغالف يتساءل عنوانه: ماركسي في املنزل رقـم 11 شــارع داونـنـغ؟ في إشــارة إلـى مقر وزارة الخزانة املـجـاور ملقر رئاسة الحكومة في لندن. وال تقتصر النعوت بالشيوعية واليسارية املتشددة على ماكدونيل وحده؛ إذ إن زعيم العمال كوربن نفسه تالحقه اتهامات من هذا القبيل منذ سنوات . وفضال عن ذلك، فإن كوربن يواجه أيضًا مشكالت جمة مع يهود بريطانيا الذين يتهمونه بـمـعـاداة السامية، ومــا يستتبعها مـن إنـكـار ملحرقة اليهود فـي أملانيا النازية. وهناك من يتهمون كوربن بأنه على عالقة قوية بجماعات الضغط املوالية لنظام علي خامنئي في إيران، وبحركة حماس في غزة. وفيما سعى كوربن إلبراز مناهضته للعالقة الـتـاريـخ­ـيـة اإلسـتـرات­ـيـجـيـة بــني بريطانيا والــســعـ­ـوديــة، خالل الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي األمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لبريطانيا، في وقـت سابق هـذا الـعـام؛ فقد تكتم كوربن ومكتبه على لقاء جمعه بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني خالل الزيارة التي قام بها للندن في وقت الحق. وعلى رغـم أن مكتب رئيسة الحكومة تيريزا مـاي أصــدر بيانًا بشأن محادثاتها مـع تميم بـن حـمـد، فــإن كـوربـن الذ بالصمت، وهو يعرف جيدًا أن أمير قطر جاء إلجراء مــــحــــ­ادثــــات بـــشـــأن التعاون العسكري بني البلدين . وعــنــدمـ­ـا أصـــــدرت لجنة الـــــعــ­ـــالقــــ­ـات الخارجية فــي الــبــرمل­ــان البريطاني تـــقـــري­ـــرهـــا بــــشــــ­أن عالقة جماعة اإلخــوان املسلمني بالعنف، وتحركت حكومة حـــــزب املــحــاف­ــظــني فــــي عام 2014، بــــــزعـ­ـــــامـــ­ـــة ديفيد كـــامـــي­ـــرون ووزيــــــ­ـرة الداخلية آنــذاك تيريزا مــاي، التخاذ قرار بــتــجــم­ــيــد حـــســـاب­ـــات الشركات املــمــلـ­ـوكــة لـــإلخـــ­وان املسلمني في بريطانيا؛ سارع كوربن، وكــــــــ­ـان آنــــــــ­ـــذاك مجرد نائب في ا ملقا عد الخلفية Backbenche­s بمجلس العموم، بال نفوذ يذكر، ليصدر رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة «الــغــارد­يــان» يطالب فيها حكومة كاميرون بإعادة النظر في قرارها بشأن اإلخوان املسلمني. إذن، فمن الواضح أن كوربن منحاز إلى قطر، مناهض لكبرى القوى اإلقليمية فـي املنطقة العربية، وهــي الـسـعـودي­ـة. وهــو ليس مستعدًا إلدانـــة التدخالت القطرية في شـؤون الـدول العربية. وغير مستعد إلدانـة التصرفات اإليرانية الرعناء في سورية وفي الدول العربية، خصوصًا اليمن. كما أنه غير مستعد للتنديد بالفظائع التي يرتكبها بشار األسد ضد شعبه. هـكـذا يـبـدو واضـحـًا أن األقلية العربية واملسلمة فـي بريطانيا ستكون أقل حماسًا إلعطاء أصواتها لكوربن والعمال، على الرغم من أنها ظلت تصوت بشكل تقليدي للعمال منذ عهد رئيسة وزراء املحافظني الراحلة مارغريت تـاتـشـر. وال بــد مــن الــقــول إن الـعـالقـة بــني املسلمني والــعــمـ­ـال أضــحــت وثيقة في عهد رئيس الــوزراء العمالي توني بلير. لكنها أخذت تتراجع في أعقاب تأييد بلير الغزو األمريكي للعراق في عام .2003 وأصبحت كبرى املنظمات اإلسالمية في بريطانيا، وهي « املجلس اإلسالمي البريطاني » ، تدعو املسلمني بشكل تقليدي إلى اإلدالء بأصواتهم في االنتخابات العامة ملصلحة املرشحني العماليني. ومن املفارقات أن الدائرة االنتخابية لكل من كوربن ووزير خزانة الـظـل مـاكـدونـي­ـل تـوجـد فيها أعـــداد كـبـيـرة مــن املـسـلـمـ­ني. فـفـي دائـــرة كوربن -ايزلنغتون نورث في لندن- يوجد مسجد فنسبيري بارك الشهير الذي كان يقوده املتطرف أبوحمزة املصري ( الذي أكدت صحيفة « ديلي ميل » أنه حليف مقرب لكوربن ) ، أما دائرة ماكدونيل في غربي لندن الكبرى ( هايز وأكسبريدج ) فتوجد فيها أعداد كبيرة من املسلمني، وأكبر عدد من املساجد في لندن. وطبقًا لدراسة أجريت حول االنتخابات البريطانية، فإن ثالثة أرباع مسلمي بريطانيا قالوا إنهم ينوون اإلدالء بأصواتهم ملرشحي حزب العمال. وطبقًا لـلـدراسـة نفسها، بعد تحديثها، قــال %85 مـن مسلمي بريطانيا فـي 2017 إنــهــم صــوتــوا فـعـلـيـًا لــحــزب الــعــمــ­ال. وذلـــك رغـــم أن مـصـالـح املـسـلـمـ­ني أقرب لحزب املحافظني منها للعمال، كموقفهم من القضايا االجتماعية، واألسرة، والجنس، والجريمة، والعقوبات .

العمال يكسبون؟

طبعًا لـن يـقـرر الـعـرب واملسلمون اتـجـاه دفــة السياسة البريطانية. فما هم سـوى أقلية. فالشارع البريطاني يمور بالتيارات واالتـجـاه­ـات املتضاربة، فحتى وسط املحافظني هناك ليبراليون متحررون، ومالحدة، واشتراكيون، وانعزاليون، وأعداء للواليات املتحدة وأوروبـا. وأكثر ما يخشاه املحافظون أن تكتب الغلبة فــي صـنـاديـق االقــتــر­اع للشعبويني والـوطـنـي­ـني املتطرفني، وهي الشريحة التي بدأت تجد تأييدًا متزايدًا في أقطار أوروبا كافة. وأخشى ما يخشاه العمال البريطانيو­ن أن يقوي الوطنيون صفوفهم ملنع أي فوز محتمل للعمال، بدعوى أن مواقف الحزب الضبابية تجاه «بريكست» تعني أنـه سيعمل، حـال فـوزه باالنتخابا­ت العامة، على وقـف قطار االنفصال عن أوروبا .

 ??  ??
 ??  ?? كوربن
كوربن

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia