إنهم يكذبون.. بل الصحف من تصنع الرأي العام !
أثـبـتـت الـحـمـلـة اإلعــامــيــة الـهـائـلـة الــتــي واجهتها السعودية خــال األسـابـيـع املاضية والـتـي قادتها وســــائــــل إعـــامـــيـــة تــقــلــيــديــة – غـــربـــيـــة عـــلـــى وجه الخصوص – وبالذات صحيفتي الواشنطن بوست والنيويورك تايمز، وقـنـوات سـي إن إن، وبــي بـي سـي عـربـي، وفـرانـس 42، أن من يصنع الــرأي العام الصلب واملكثف والـقـادر على صياغة أي حرب إعامية وتوجيه أعتى الضربات دون تكاليف هي با شك الصحف وأعمدة الرأي والقنوات اإلخبارية وال شيء غيرها. الـسـؤال الكبير.. هل هي أول حملة إعامية تواجهها السعودية، وهل هي األخيرة.. بالتأكيد لن تكون األخيرة، وما يتم اآلن هو رفع مستوى الحمات إلى حرب إعامية كاملة األركــان، ألنكم أيها السعوديون اخترتم الحياة على املــوت واملستقبل على املـاضـي ووطنكم على أوطان اآلخرين وحكامكم بدال من املرشد اإلخواني واملرشد الشيعي. أما املاضي فقد واجهت اململكة منذ تأسيس الباد حمات تشويه عـاتـيـة، ففي الخمسينات والستينات كـانـت الـحـمـات اإلعامية حينها إقليمية فــي معظمها مــن دول الـيـسـار والـشـيـوعـيـة واملد العروبي والبعثي الذي كان يرى السعودية امللكية دولة «متخلفة رجـعـيـة» ال تـنـاسـب شـكـل دولــهــم الــثــوريــة، لــم يكتفوا بإذاعاتهم وتلفزيوناتهم وصحفهم، بـل أدخــلــوا أكـاذيـبـهـم وعــداواتــهــم في مـنـاهـجـهـم الــدراســيــة، ومـــا تــرونــه اآلن مــن أحــقــاد وضــغــائــن هو نـتـاج تلك املناهج والـتـزويـر الــذي حقنوا بـه أجـيـاال متتالية من شعوبهم. في السبعينات استفاق الغرب على وقع قطع السعودية إلمدادات النفط، وتنبه إلى أنها دولة مستقلة ال تخضع ألي ابتزاز، لم يرق ذلك لإلعام الغربي –خاصة اليساري منه– فشن حمات متتالية لم تنته لهذه اللحظة. حروب اليوم على السعودية حرب جديدة ال تطلق فيها رصاصة واحــدة.. وال ينزلون جنودهم على شواطئنا ولـن يرسلوا طائرة مــقــاتــلــة وال صـــاروخـــا مـــدمـــرا لــقــصــفــنــا، فــقــط ســيــقــومــون بنشر الـشـائـعـات واألكــاذيــب واملـعـلـومـات املضللة والـضـغـط عـلـى قادة الـحـكـومـات الغربية ورؤســـاء الـشـركـات واملـنـظـمـات ألخــذ مواقف خشنة منا، إنه إرهاب من نوع جديد، الهدف منه االنتقام من الدولة التي لم ترضخ لربيعهم املــزور، والشعب الــذي استعصى عليهم ورفض الخروج إلى الشوارع حاما شعارات صنعها اإلخوان على أعني املخابرات الغربية، كانوا يريدونكم ليبيني جددا مشتتني في رمالكم با دولة، وسوريني الجئني مشردين على أبواب أوروبا. هــنــاك خلية عـمـل هــي مــن تصنع املـكـيـنـة اإلعــامــيــة الـحـالـيـة في الـعـالـم واملـوجـهـة ضــدنــا، تعد وتــرســم األخــبــار فــي كـوالـيـس دول إقليمية وغربية وأجهزة مخابرات وتنظيمات عابرة، ثم تمررها للصحف التقليدية في الغرب والتي شئنا أم أبينا ليست محايدة وليست مثالية، تلوي املعايير املهنية لصالحها وتكتب الخبر واملقال بناء على أيديولوجيتها وعقيدتها ومحبتها وكراهيتها، ثــم تنطلق تداعياتها بعد ذلــك فــي الـفـضـاء األوســـع عبر وسائل االتصال الحديثة. املشكلة الكبرى أننا فرطنا أو نكاد نفرط في مؤسساتنا التقليدية وخبراتنا املتراكمة، كان لدينا في الثمانينات والتسعينات أقوى جــهــاز إعــامــي خــــارج أوروبـــــا وأمــريــكــا، لـلـتـذكـيـر فــقــط – الشرق األوسط عرب نيوز سيدتي الجميلة اإلم بي سي وإذاعات وشبكات رياضية وفنية – صحيح أنها ال تزال موجودة، لكن السؤال ملاذا ليست فعالة. لــدى الـغـرب بقيت املؤسسات التقليدية هـي مـن تدير التغير، بل وتشكل املشهد الجديد بناء على خطها هي ال خط اآلخرين، حتى ال ينفرط العقد من يديها، وهذا ما حصل، فهي اليوم تبيع الخبر على «األون الين» وعلى الورق فتعاظم دخلها وتأثيرها. عندنا حصل التالي.. انفرط مجد املؤسسات اإلعامية والتفتنا عـن الخبرات التي فيها، وماطلنا وبقينا محتارين، ثـم سمحنا لوسائل ومنصات ومشاهير السوشال بالخروج مثل الفطر إلى الـسـاحـة ليصبحوا فـجـأة مــاك ونــجــوم الـسـاحـة، فـهـل هـــؤالء من يصنعون الــحــروب اإلعــامــيــة، إن هــذا تـحـديـدا مــا اضـطـر املغرد السعودي للنزول إلى املعركة والدفاع بحماس ووطنية ال يمكن وصفها، انتصر فيها با شك، لكن الحرب طويلة األمـد وتحتاج إلى مؤسسات وليس جهود أفراد. نهاية املشهد تقول.. ال تصدقوا من يروج أن مواجهة اإلعام الغربي تـبـدأ مــن تخطي املــاضــي اإلعــامــي واالنــســحــاب مـنـه، بــل بتعزيز دور املـؤسـسـات اإلعـامـيـة التقليدية ودعـمـهـا، فاملتابع يثق في تلك املؤسسات ويرتبط بها وجدانيا وال يزال يتذكر قدرتها على الدفاع عنه بكفاءة كما فعلت طـوال تاريخه، في حـروب الوديعة واليمن األولــى والـخـاف مـع القوميني والبعثيني واملـواجـهـة مع اإليرانيني وصــدام وتداعيات 11 سبتمبر والتصدي للمتطرفني واإلرهابيني والرجعيني وأخيرا تنظيم قطر.