Okaz

الصحة املدرسية.. احلاضر الغائب!

- صبحي الحداد - صيدلي

أتذكر ونحن تالميذ في املرحلة االبتدائية قبل أكثر من نصف قرن، أننا كنا نتلقى الرعاية الصحية دوريـًا داخـل صفوف املدرسة، إذ كان يزورنا طبيب أو فريق طبي من مختلف التخصصات، يتفقد أحــوال الطلبة وسؤالهم عن مشكالتهم الـصـحـيـة، مــن تــســوس أســنــان أو ضـعـف نـظـر أو فــقــدان للشهية وغيرها من املشكالت الصحية األخـرى التي عادة تصيب تالميذ االبتدائية وهــي مرحلة النمو والتكوين، بـل إن أولـئـك األطـبـاء كـانـوا مـن واقــع الخبرة واملعاينة للتالميذ يكتشفون حاالت سوء التغذية وفقر الدم وأمراض العيون والـسـمـع واألمــــر­اض الجلدية والحساسية وغـيـرهـا، وكــانــوا يـقـدمـون أوراق تحويل للحاالت املرضية أو الحاالت املشتبه بها إلى الوحدة الصحية املدرسية الرئيسية فـــــــــ­ـــي «الــــــسـ­ـــــبــــ­ــع قــــصــــ­ور» بالبغدادية الغربية بجدة، ملزيد من الفحص واملعاينة والتحاليل وإلتمام املعالجة، وكان األطباء خالل جوالتهم املدرسية يجلبون معهم كبسوالت زيـت السمك لتوزيعها على التالميذ بمعدل كبسولتني كجرعة داعمة. كــانــت تــلــك الـــجـــو­الت الـــدوريـ­ــة عــلــى املــــــد­ارس تــأتــي بفائدة صحية مجتمعية كبيرة، من حيث اكتشاف الحاالت املرضية مبكرًا وعالجها والقضاء عليها قبل انتشارها واستفحالها، ما يخدم الوضع الصحي العام. صحيح أن عدد املدارس والتالميذ ًً آنــــــــ­ـــذاك كــــــــا­ن قليال، إال أن فــــكــــ­رة االهتمام بــصــحــة الـــطـــا­لـــب والوصول إلــيــه فــي مــدرســتـ­ـه كــانــت من األفــكــا­ر الـوقـائـي­ـة املثمرة، الــتــي انــقــرضـ­ـت عــلــى ما يــبــدو فــي السنوات الالحقة بسبب كثرة املـــــــ­ــــدارس وزيـــــــ­ـادة أعــــــــ­ــــــــــ­ــداد الــــــــ­طــــــــا­لب، وأصـــــبـ­ــــح الــــطـــ­ـالــــب ال يـــــــذه­ـــــــب لــــــلــ­ــــوحــــ­ــدات الــــصـــ­ـحــــيـــ­ـة املــــدرس­ــــيــــة إال نـــــــــ­ــــــادرًا، وعند الـضـرورة القصوى أو عند طلب تقرير مــرضــي للغياب، وباتت الوحدات الــــــــ­ـصــــــــ­ـحــــــــ­ـيــــــــ­ـة املدرسية غير مؤهلة تأهيال حقيقيًا الستقبال الحاالت املرضية - اإل حاالت الزكام والسعال وااللتهابا­ت الشعبية الخفيفة - وفقدت تلك الوحدات الثقة وبات مألوفًا مراجعة أولياء أمور التالميذ للمستشفيات العامة أو الخاصة بحثًا عن اإلمكانات الصحية ونجاعة العالج. وكــــان قــــرار تــحــويــ­ل الــصــحــ­ة املــدرســ­يــة إلــــى وزارة الصحة قـــــرارا جــيــدا، رغـــم أنـــه سـيـشـكـل عـبـئـًا إضــافــيـ­ـًا عــلــى خدمات وزارة الصحة التي تعاني أصــال من تــردي بعض خدماتها وازدحـام مستشفياتها ومراكزها الصحية، وبات املرضى من الطالب يراجعون مراكز الرعاية الصحية األولية التي تنتشر في األحـيـاء. وأتـسـاءل: هل ستجدول وزارة الصحة برامج زيــارات ميدانية لتلك املدارس؟ وعمل االستقصاءا­ت الوبائية وفحوصات للطلبة، وهل لديها اإلمكانات لتغطية األعداد الكبيرة من املدارس؟ إن املؤشرات الصحية تبني أن نسبة تسوس األسنان تصل إلى %75 بني األطفال ‪10 -9(‬ ســنــوات)، وهــي مـن أعلى النسب مقارنة بــدول الـعـالـم، حسب دراسة سعودية أجريت عام ،2012 وهنالك دراسة أخرى تمت على الفئة العمرية بني 18-6 سنة أظهرت أن %35 من األضراس الدائمة معرضة لعالج العصب، وأن دراسة سعودية أخرى أوضحت أن %9 من هذه األضراس معرضة للخلع. أما فقر الدم الغذائي أو األنيميا فهي مشكلة كبيرة في اململكة ودول الخليج وبالذات فقر الدم الناتج عن نقص الحديد، حيث خطره كبير وعالجه بسيط جدًا، وهو الوعي، فاألغذية متوافرة ولله الحمد، ولكن املشكلة في عدم تقديم األغذية املفيدة والغنية بالحديد، إذ تمتلئ املقاصف املدرسية بـ«جنك فود». هاتان مشكلتان صحيتان فقط «تسوس األسـنـان، وفقر الــدم»، غير عشرات املشكالت الصحية األخـــرى الـتـي تـواجـه التالميذ فـي هــذه املــراحــ­ل العمرية املهمة، فماذا أنتم فاعلون يا وزارة الصحة؟ أرى أنه كان من األفضل بقاء الوحدات الصحية املدرسية تحت مظلة وزارة التعليم مع ضرورة دعمها باإلمكانات والكفاء ات من قبل وزارة الصحة.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia